كتاب الأم للشافعي - ط الوفاء (اسم الجزء: 5)
فِي أَنَّهُ لاَ يَمْلِكُ مَنْفَعَةَ نَفْسِهِ غَيْرُ نَفْسِهِ كَمَا يَمْلِكُ مَنْفَعَةَ الْمَالِ مَالِكٌ , وَذَلِكَ أَنَّ الْمَالَ لاَ يَكُونُ مَالِكًا إنَّمَا يَمْلِكُ الْآدَمِيُّونَ , فَلَوْ قَالَ قَائِلٌ لِمَالِهِ أَنْتَ حُرٌّ لَمْ يَكُنْ حُرًّا , وَلَوْ قَالَ أَنْتَ مَوْقُوفٌ لَمْ يَكُنْ مَوْقُوفًا ; لِأَنَّهُ لَمْ يُمَلِّكْ مَنْفَعَتَهُ أَحَدًا , وَهُوَ إذَا قَالَ لِعَبْدِهِ أَنْتَ حُرٌّ , فَقَدْ مَلَّكَهُ مَنْفَعَةَ نَفْسِهِ فَقَالَ قَدْ قَالَ فِيهَا فُقَهَاءُ الْمَكِّيِّينَ وَحُكَّامُهُمْ قَدِيمًا وَحَدِيثًا , وَقَدْ عَلِمْنَا أَنَّهُمْ يَقُولُونَ قَوْلَك , وَأَبُو يُوسُفَ حِينَ أَجَازَ الصَّدَقَاتِ قَالَ قَوْلَك فِي أَنَّهَا تَجُوزُ , وَإِنْ وَلِيَهَا صَاحِبُهَا حَتَّى يَمُوتَ وَاحْتَجَّ فِيهَا بِأَنَّهُ إنَّمَا أَجَازَهَا اتِّبَاعًا وَأَنَّ الْمُتَصَدِّقِينَ بِهَا مِنْ السَّلَفِ وَلَوْهَا حَتَّى مَاتُوا , وَلَكِنَّا قَدْ ذَهَبْنَا فِيهَا وَبَعْضُ الْبَصْرِيِّينَ إلَى أَنَّ الرَّجُلَ إنْ لَمْ يُخْرِجْهَا مِنْ مِلْكِهِ إلَى مَنْ يَلِيهَا دُونَهُ فِي حَيَاتِهِ لِمَنْ تَصَدَّقَ بِهَا عَلَيْهِ كَانَتْ مُنْتَقَضَةً وَأَنْزَلَهَا مَنْزِلَةَ الْهِبَاتِ , وَتَابَعْنَا بَعْضَ الْمَدَنِيِّينَ فِيهَا وَخَالَفْنَا فِي الْهِبَاتِ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : فَقُلْت لَهُ قَدْ حَفِظْنَا عَنْ سَلَفِنَا مَا وَصَفْت وَمَا أَعْرِفُ عَنْ أَحَدٍ مِنْ التَّابِعِينَ أَنَّهُ أَبْطَلَ صَدَقَةً بِأَنْ لَمْ يَدْفَعْهَا الْمُتَصَدِّقُ بِهَا إلَى وَالٍ فِي حَيَاتِهِ وَمَا هَذَا إلَّا شَيْءٌ أَحْدَثَهُ مِنْهُمْ مَنْ لاَ يَكُونُ قَوْلُهُ حُجَّةً عَلَى أَحَدٍ وَمَا أَدْرِي لَعَلَّهُ سَمِعَ قَوْلَكُمْ , أَوْ قَوْلَ بَعْضِ الْبَصْرِيِّينَ فِيهِ فَاتَّبَعَهُ فَقَالَ وَأَنَا أَقُومُ بِهَذَا الْقَوْلِ عَلَيْك قُلْت لَهُ هَذَا قَوْلٌ تُخَالِفُهُ فَكَيْفَ تَقُومُ بِهِ ؟ قَالَ أَقُومُ بِهِ لِمَنْ قَالَهُ مِنْ أَصْحَابِنَا وَأَصْحَابِك فَأَقُولُ إنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ رضي الله عنه نَحَلَ عَائِشَةَ جِدَادَ عِشْرِينَ وَسْقًا فَمَرِضَ قَبْلَ أَنْ تَقْبِضَهُ فَقَالَ لَهَا : لَوْ كُنْت خَزَنْتِيهِ وَقَبَضْتِيهِ كَانَ لَك , وَإِنَّمَا هُوَ الْيَوْمَ مَالُ الْوَارِثِ ,@
الصفحة 111