كتاب الأم للشافعي - ط الوفاء (اسم الجزء: 5)
فَإِنَّ لِلْمُوصِي أَنْ يَرْجِعَ فِي وَصِيَّتِهِ بَعْدَ الْإِشْهَادِ عَلَيْهَا وَيَرْجِعَ فِي مَالِهِ إنْ مَاتَ مَنْ أَوْصَى لَهُ بِهَا , أَوْ رَدَّهَا فَكَيْفَ بَايَنْت بَيْنَ الْعَطَايَا وَالْوَصَايَا سِوَاهَا وَامْتَنَعْت مِنْ الْمُبَايَنَةِ بَيْنَ الْوَقْفِ وَالْعَطَايَا سِوَاهُ وَأَنْتَ تُفَرِّقُ بَيْنَ الْعَطَايَا سِوَاهُ فَرْقًا بَيِّنًا فَنَقُولُ فِي الْعُمْرَى هِيَ لِصَاحِبِهَا لاَ تَرْجِعُ إلَى الَّذِي أَعْطَاهَا , وَلاَ تَقُولُ هَذَا فِي الْعَارِيَّةِ , وَلاَ الْعَطِيَّةُ غَيْرُ الْعُمْرَى , قَالَ بِالسُّنَّةِ . قُلْت : وَإِذَا جَاءَتْ السُّنَّةُ اتَّبَعْتهَا ؟ قَالَ فَذَلِكَ يَلْزَمُنِي . قُلْت : فَقَدْ وَصَفْت لَك فِي الْوَقْفِ السُّنَّةَ وَالْخَبَرَ الْعَامَّ عَنْ الصَّحَابَةِ , وَلَمْ تَتَّبِعْهُ , وَقُلْت لَهُ أَرَأَيْت النِّحَلَ وَالْهِبَةَ وَالْعَطَايَا غَيْرَ الْوَقْفِ أَلِصَاحِبِهَا أَنْ يَرْجِعَ فِيهَا مَا لَمْ يَقْبِضْهَا مَنْ جَعَلَهَا لَهُ ؟ قَالَ : نَعَمْ , قُلْت : فَمَنْ تَقَوَّيْت بِهِ فَمَنْ قَالَ قَوْلَك مِنْ أَصْحَابِنَا يَقُولُ لاَ يَرْجِعْ فِيهَا , وَإِنْ مَاتَ قَبْلَ يَقْبِضُهَا مَنْ أُعْطِيهَا رَجَعَتْ مِيرَاثًا يَكُونُ فِي ذَلِكَ الْوَقْفِ فَيُسَوِّي بَيْنَ قَوْلَيْهِ , قَالَ : فَهَذَا قَوْلٌ لاَ يَسْتَقِيمُ , وَلاَ يَجُوزُ فِيهِ إلَّا وَاحِدٌ مِنْ قَوْلَيْنِ إمَّا أَنْ يَكُونَ كَمَا قُلْت إذَا تَكَلَّمَ بِالْوَقْفِ , أَوْ الْعَطِيَّةِ تَمَّتْ لِمَنْ جَعَلَهَا لَهُ وَجَبَرَ عَلَى إعْطَائِهَا إيَّاهُ , وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ لاَ يَتِمُّ إلَّا بِالْقَبْضِ مَعَ الْعَطَايَا فَيَكُونُ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ مَا لَمْ تَتِمَّ بِقَبْضِ مَنْ أُعْطِيهَا , وَلاَ يَجُوزُ أَبَدًا أَنْ يَكُونَ لَهُ حَبْسُهَا إذَا تَكَلَّمَ بِإِعْطَائِهَا , وَلاَ يَكُونُ لِوَارِثِهِ مِلْكُهَا عَنْهُ إذَا لَمْ تَرْجِعْ فِي حَيَاتِهِ إلَى مِلْكِهِ لَمْ تَرْجِعْ فِي وَفَاتِهِ إلَى مِلْكِهِ فَتَكُونُ مَوْرُوثَةً عَنْهُ , وَهَذَا قَوْلٌ مُحَالٌ وَكُلُّ مَا وَهَبْت لَك فَلِي الرُّجُوعُ فِيهِ مَا لَمْ تَقْبِضْهُ , أَوْ يُقْبَضْ لَك , وَهَذَا مِثْلُ أَنْ أَقُولَ : قَدْ بِعْتُك عَبْدِي بِأَلْفٍ فَإِنْ قُلْت قَدْ رَجَعْت قَبْلَ أَنْ تَخْتَارَ أَخْذَهُ كَانَ لِي الرُّجُوعُ وَكُلُّ أَمْرٍ لاَ يَتِمُّ إلَّا بِأَمْرَيْنِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُمْلَكَ بِوَاحِدٍ . فَقُلْت : هَذَا كَمَا قُلْت إنْ شَاءَ اللَّهُ , وَلَكِنْ رَأَيْتُك ذَهَبْت إلَى رَدِّ الصَّدَقَاتِ قَالَ مَا عِنْدِي فِيهَا أَكْثَرُ مِمَّا وَصَفْت فَهَلْ لَك فِيهَا حُجَّةٌ غَيْرُ مَا ذَكَرْت مِمَّا لَزِمَك بِهِ عِنْدَنَا إثْبَاتُ الصَّدَقَاتِ ؟ قَالَ مَا عِنْدِي فِيهَا أَكْثَرُ مِمَّا وَصَفْت .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : رحمه الله قُلْتُ فَفِيمَا وَصَفْتَ أَنَّ صَدَقَاتِ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ بِالْمَدِينَةِ مَعْرُوفَةٌ قَائِمَةٌ , وَقَدْ وَرِثَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ النِّسَاءُ الْغَرَائِبُ وَالْأَوْلاَدُ ذَوُو الدِّينِ وَالْإِهْلاَكِ لِأَمْوَالِهِمْ وَالْحَاجَةُ إلَى بَيْعِهِ فَمَنَعَهُمْ الْحُكَّامُ فِي كُلِّ دَهْرٍ إلَى الْيَوْمِ فَكَيْفَ أَنْكَرْت إجَازَتَهَا مَعَ عُمُومِ الْعِلْمِ ؟ وَأَنْتَ تَقُول لَوْ أَخْرَجَ رَجُلٌ بَيْتًا مِنْ دَارِهِ فَبَنَاهُ مَسْجِدًا وَأَذَّنَ فِيهِ لِمَنْ صَلَّى , وَلَمْ يَتَكَلَّمْ بِوَقْفِهِ كَانَ وَقْفًا لِلْمُصَلِّينَ , وَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَعُودَ فِي مِلْكِهِ إذَا أَذَّنَ لَلْمُصَلِّينَ فِيهِ , وَفِي قَوْلِك هَذَا أَنَّهُ لَمْ يُخْرِجْهُ مِنْ مِلْكِهِ , وَلَوْ @
الصفحة 114