كتاب الأم للشافعي - ط الوفاء (اسم الجزء: 5)

الشُّهُودِ بِهِمْ فِي مَعْنَى الْأَرْضِينَ وَالنَّخْلِ , أَوْ أَكْثَرَ بِأَنَّهُمْ إذَا عُرِفُوا بِأَعْيَانِهِمْ كَانُوا كَأَرْضٍ تُعْرَفُ حُدُودُهَا ؟ قَالَ إنَّهُمْ لِقَرِيبٍ مِمَّا وَصَفْت قُلْت فَكَيْفَ أَبْطَلْت الصَّدَقَةَ الْمُحَرَّمَةَ فِيهِمْ ؟ قَالَ قَدْ يَهْلَكُونَ وَيَأْبَقُونَ وَتَنْقَطِعُ مَنْفَعَتُهُمْ قُلْت فَكُلُّ هَذَا يُدْخِلُ الْأَرْضَ وَالشَّجَرَ قَدْ تُخَرَّبُ الْأَرْضُ بِذَهَابِ الْمَاءِ وَيَأْتِي عَلَيْهَا السَّيْلُ فَيَذْهَبُ بِهَا وَتَنْهَدِمُ الدَّارُ وَيَذْهَبُ بِهَا السَّيْلُ فَمَا كَانَتْ قَائِمَةً فَهِيَ مَوْقُوفَةٌ , وَلاَ جِنَايَةَ لَنَا فِيمَا أَتَى عَلَيْهَا مِنْ قَضَاءِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ قُلْت : وَكَذَلِكَ الْعَبْدُ لاَ جِنَايَةَ لَنَا فِي ذَهَابِهِ , وَلاَ نَقْصِهِ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَكُلُّ مَا عُرِفَ بِعَيْنِهِ وَقَطَعَ عَلَيْهِ الشُّهُودُ مِثْلُ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ أَنَّهُ صَدَقَةٌ مُحَرَّمَةٌ جَازَتْ الصَّدَقَةُ فِي الْمَاشِيَةِ قَالَ وَتَتِمُّ الصَّدَقَاتُ الْمُحَرَّمَاتُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهَا مَالِكُهَا عَلَى قَوْمٍ مَعْرُوفِينَ بِأَعْيَانِهِمْ وَأَنْسَابِهِمْ وَصِفَاتِهِمْ وَيَجْمَعُ فِي ذَلِكَ أَنْ يَقُولَ الْمُتَصَدِّقُ بِهَا تَصَدَّقْت بِدَارِي هَذِهِ عَلَى قَوْمٍ , أَوْ رَجُلٍ مَعْرُوفٍ بِعَيْنِهِ يَوْمَ تَصَدَّقَ بِهَا , أَوْ صِفَتُهُ أَوْ نَسَبُهُ حَتَّى يَكُونَ إنَّمَا أَخْرَجَهَا مِنْ مِلْكِهِ لِمَالِكٍ مَلَّكَهُ مَنْفَعَتَهَا يَوْمَ أَخْرَجَهَا وَيَكُونُ مَعَ ذَلِكَ أَنْ يَقُولَ : صَدَقَةٌ لاَ تُبَاعُ , وَلاَ تُوهَبُ , أَوْ يَقُولَ : لاَ تُورَثُ , أَوْ يَقُولَ : غَيْرُ مَوْرُوثَةٍ أَوْ يَقُولَ : صَدَقَةٌ مُحَرَّمَةٌ , أَوْ يَقُولَ : صَدَقَةٌ مُؤَبَّدَةٌ , فَإِذَا كَانَ وَاحِدٌ مِنْ هَذَا , فَقَدْ حُرِّمَتْ الصَّدَقَةُ فَلاَ تَعُودُ مِيرَاثًا أَبَدًا , وَإِنْ قَالَ : صَدَقَةٌ مُحَرَّمَةٌ عَلَى مَنْ لَمْ يَكُنْ بَعْدِي بِعَيْنِهِ وَلاَ نَسَبِهِ ثُمَّ عَلَى بَنِي فُلاَنٍ , أَوْ قَالَ : صَدَقَةٌ مُحَرَّمَةٌ عَلَى مَنْ كَانَ بَعْدِي بِعَيْنِهِ فَالصَّدَقَةُ مُنْفَسِخَةٌ , وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُخْرِجَهَا مِنْ مِلْكِهِ إلَّا إلَى مَالِكِ مَنْفَعَةٍ لَهُ فِيهَا يَوْمَ يَخْرُجُهَا إلَيْهِ , وَإِذَا انْفَسَخَتْ عَادَتْ فِي مِلْكِ صَاحِبِهَا كَمَا كَانَتْ قَبْلَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهَا . وَلَوْ تَصَدَّقَ بِدَارِهِ صَدَقَةً مُحَرَّمَةً عَلَى رَجُلٍ بِعَيْنِهِ , أَوْ قَوْمٍ بِأَعْيَانِهِمْ , وَلَمْ يَسْلُبْهَا عَلَى مَنْ بَعْدَهُمْ كَانَتْ مُحَرَّمَةً أَبَدًا , فَإِذَا انْقَرَضَ الرَّجُلُ الْمُتَصَدَّقُ بِهَا عَلَيْهِ , أَوْ الْقَوْمُ الْمُتَصَدِّقُ بِهَا عَلَيْهِمْ كَانَتْ هَذِهِ صَدَقَةً مُحَرَّمَةً بِحَالِهَا أَبَدًا وَرَدَدْنَاهَا عَلَى أَقْرَبِ النَّاسِ بِالرَّجُلِ الَّذِي تَصَدَّقَ بِهَا يَوْمَ تَرْجِعُ الصَّدَقَةُ إنَّمَا تَصِيرُ غَيْرَ رَاجِعَةٍ مَوْرُوثَةً بِوَاحِدٍ مِمَّا وَصَفْنَا أَوْ مَا كَانَ فِي مَعْنَاهُ , وَإِنَّمَا فَسَخْنَاهَا إذَا تَصَدَّقَ بِهَا فَكَانَتْ حِينَ عُقِدَتْ صَدَقَةً لاَ مَالِكَ لِمَنْفَعَتِهَا ; لِأَنَّهُ لاَ يَجُوزُ أَنْ تَخْرُجَ مِنْ مَالِكٍ إلَى غَيْرِ مَالِكِ مَنْفَعَةٍ ; لِأَنَّهَا لاَ تَمْلِكُ مَنْفَعَةَ نَفْسِهَا كَمَا يَمْلِكُ الْعَبْدُ مَنْفَعَةَ نَفْسِهِ بِالْعِتْقِ , وَلاَ يَزُولُ عَنْهَا الْمِلْكُ إلَّا إلَى مَالِكِ مَنْفَعَةٍ@

الصفحة 120