كتاب الأم للشافعي - ط الوفاء (اسم الجزء: 5)

فَإِنْ قَالَ : وَكَيْفَ ؟ قِيلَ : إنَّمَا أَجَزْنَا الصَّدَقَاتِ الْمَوْقُوفَاتِ إذَا كَانَ الْمُتَصَدِّقُ بِهَا صَحِيحًا فَارِغَةً مِنْ الْمَالِ فَإِنْ كَانَ مَرِيضًا لَمْ نُجِزْهَا إلَّا مِنْ الثُّلُثِ إذَا مَاتَ مِنْ مَرَضِهِ ذَلِكَ وَلَيْسَ فِي وَاحِدَةٍ مِنْ الْحَالَيْنِ حَبْسٌ عَنْ فَرَائِضِ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ : وَإِذَا حَبَّسَهَا صَحِيحًا ثُمَّ مَاتَ لَمْ تُوَرَّثْ عَنْهُ قِيلَ : فَهُوَ أَخْرَجَهَا , وَهُوَ مَالِكٌ لِجَمِيعِ مَالِهِ يَصْنَعُ فِيهِ مَا يَشَاءُ وَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يُخْرِجَهَا لِأَكْثَرِ مِنْ هَذَا عِنْدَنَا , وَعِنْدَك أَرَأَيْت لَوْ وَهَبَهَا لِأَجْنَبِيٍّ , أَوْ بَاعَهُ إيَّاهَا فَحَابَاهُ أَيَجُوزُ ؟ فَإِنْ قَالَ : نَعَمْ , قَالَ : فَإِذَا فَعَلَ ثُمَّ مَاتَ أَتُوَرَّثُ عَنْهُ ؟ فَإِنْ قَالَ : لاَ , قِيلَ : فَهَذَا قَرَارٌ مِنْ فَرَائِضِ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنْ قَالَ : لاَ ; لِأَنَّهُ أَعْطَى , وَهُوَ يَمْلِكُ وَقَبْلَ وُقُوعِ فَرَائِضِ اللَّهِ تَعَالَى قِيلَ : وَهَكَذَا الصَّدَقَةُ تَصَدَّقَ بِهَا صَحِيحًا قَبْلَ وُقُوعِ فَرَائِضِ اللَّهِ تَعَالَى , وَقَوْلُك : لاَ حَبْسَ عَنْ فَرَائِضِ اللَّهِ تَعَالَى مُحَالٌ ; لِأَنَّهُ فَعَلَهُ قَبْلَ أَنْ تَكُونَ فَرَائِضُ اللَّهِ فِي الْمِيرَاثِ ; لِأَنَّ الْفَرَائِضَ إنَّمَا تَكُونُ بَعْدَ مَوْتِ الْمَالِكِ , وَفِي الْمَرَضِ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَحَجَّةُ الَّذِي صَارَ إلَيْهِ مَنْ أَبْطَلَ الصَّدَقَاتِ أَنْ قَالَ : إنَّهَا فِي مَعْنَى الْبَحِيرَةِ وَالْوَصِيلَةِ وَالْحَامِي ; لِأَنَّ سَيِّدَهَا أَخْرَجَهَا مِنْ مِلْكِهِ إلَى غَيْرِ مَالِكٍ قِيلَ : لَهُ قَدْ أَخْرَجَهَا إلَى مَالِكٍ يَمْلِكُ مَنْفَعَتَهَا بِأَمْرٍ جَعَلَهُ لِلَّهِ تَعَالَى وَسُنَّةِ رَسُولِهِ - صلى الله عليه وسلم - وَالْبَحِيرَةُ وَالْوَصِيلَةُ وَالْحَامِي لَمْ تَخْرُجْ رَقَبَتُهُ , وَلاَ مَنْفَعَتُهُ إلَى مَالِكٍ فَهُمَا مُتَبَايِنَانِ فَكَيْفَ تَقِيسُ أَحَدَهُمَا بِالْآخِرِ ؟
قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَاَلَّذِي يَقُولُ هَذَا الْقَوْلَ يَزْعُمُ أَنَّ الرَّجُلَ إذَا تَصَدَّقَ بِمَسْجِدٍ لَهُ جَازَ ذَلِكَ , وَلَمْ يَعُدْ فِي مِلْكِهِ وَكَانَ صَدَقَةً مَوْقُوفًا عَلَى مَنْ صَلَّى فِيهِ , فَإِذَا قِيلَ لَهُ : فَهَلْ أَخْرَجَهُ إلَى مَالِكٍ يَمْلِكُ مِنْهُ مَا كَانَ مَالِكُهُ يَمْلِكُ ؟ قَالَ : لاَ , وَلَكِنْ مَلَّكَ مَنْ صَلَّى فِيهِ الصَّلاَةَ وَجَعَلَهُ لِلَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى , فَلَوْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ حُجَّةٌ بِخِلاَفِ السُّنَّةِ إلَّا مَا أَجَازَهُ فِي الْمَسْجِدِ مِمَّا لَيْسَ فِيهِ سُنَّةٌ وَرَدَّ مِنْ الدُّورِ وَالْأَرْضِينَ , وَفِي الْأَرْضِينَ سُنَّةٌ كَانَ مَحْجُوجًا فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ : أُجِيزَ الْأَرْضِينَ وَالدُّورُ ; لِأَنَّ فِي الْأَرْضِينَ سُنَّةٌ وَالدُّورُ مِثْلُهَا ;@

الصفحة 123