كتاب الأم للشافعي - ط الوفاء (اسم الجزء: 5)

لِأَنَّهَا أَرْضُونَ تَغُلُّ , وَأَرَادَ الْمَسَاجِدَ كَانَ أَوْلَى أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ مَقْبُولاً مِمَّنْ رَدَّ الدُّورَ وَالْأَرْضِينَ وَأَجَازَ الْمَسَاجِدَ ثُمَّ تَجَاوَزَ فِي الْمَسَاجِدِ إلَى أَنْ قَالَ : لَوْ بَنَى رَجُلٌ فِي دَارِهِ مَسْجِدًا فَأَخْرَجَ لَهُ بَابًا وَأَذِنَ لِلنَّاسِ أَنْ يُصَلُّوا فِيهِ كَانَ حَبْسًا وَقْفًا , وَهُوَ لَمْ يَتَكَلَّمْ بِوَقْفِهِ , وَلاَ بِحَبْسِهِ وَجُعِلَ إذْنُهُ بِالصَّلاَةِ كَالْكَلاَمِ بِحَبْسِهِ وَوَقْفُهُ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : فَعَابَ هَذَا الْقَوْلَ عَلَيْهِ صَاحِبَاهُ وَاحْتَجَّا عَلَيْهِ بِمَا ذَكَرْنَا وَأَكْثَرَ مِنْهُ وَقَالاَ : هَذَا جَهْلٌ , صَدَقَاتُ الْمُسْلِمِينَ فِي الْقَدِيمِ وَالْحَدِيثِ أَشْهُرُ مِنْ أَنْ يَنْبَغِيَ أَنْ يَجْهَلَهَا عَالِمٌ , وَأَجَازُوا الصَّدَقَاتِ الْمُحَرَّمَاتِ فِي الدُّورِ وَالْأَرْضِينَ عَلَى مَا أَجَزْنَاهَا عَلَيْهِ ثُمَّ اعْتَدَلَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ فِيهَا فَقَالَ : بِأَحْسَنِ قَوْلٍ فَقَالَ : تَجُوزُ الصَّدَقَاتُ الْمُحَرَّمَاتُ إذَا تَكَلَّمَ بِهَا صَاحِبُهَا قُبِضَتْ , أَوْ لَمْ تُقْبَضْ وَذَلِكَ أَنَّا إنَّمَا أَجَزْنَاهَا اتِّبَاعًا لِمَنْ كَانَ قَبْلَنَا مِثْلَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنهما وَغَيْرِهِمْ وَهُمْ وَلَوْا صَدَقَاتِهِمْ حَتَّى مَاتُوا فَلاَ يَجُوزُ أَنْ نُخَالِفَهُمْ فِي أَنْ لاَ نُجِيزَهَا إلَّا مَقْبُوضَةً وَهُمْ قَدْ أَجَازُوهَا غَيْرَ مَقْبُوضَةٍ بِالْكَلاَمِ بِهَا فَنُوَافِقُهُمْ فِي إجَازَتِهَا .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَمَا قَالَ فِيهَا أَبُو يُوسُفَ كَمَا قَالَ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : أَخْبَرَنِي غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ آلِ عُمَرَ وَآلِ عَلِيٍّ أَنَّ عُمَرَ وَلَّى صَدَقَتَهُ حَتَّى مَاتَ وَجَعَلَهَا بَعْدَهُ إلَى حَفْصَةَ وَوَلَّى عَلِيٌّ صَدَقَتَهُ حَتَّى مَاتَ وَوَلِيَهَا بَعْدَهُ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ رضي الله عنهما وَأَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَلِيَتْ صَدَقَتَهَا حَتَّى مَاتَتْ وَبَلَغَنِي عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ الْأَنْصَارِ أَنَّهُ وَلِيَ صَدَقَتَهُ حَتَّى مَاتَ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَفِي أَمْرِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَنْ يُسَبِّلَ ثَمَرَ أَرْضِهِ وَيُحَبِّسَ أَصْلَهَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ رَأَى مَا صَنَعَ جَائِزًا فَبِهَذَا نَرَاهُ بِلاَ قَبْضٍ جَائِزًا , وَلَمْ يَأْمُرْهُ أَنْ يُخْرِجَهُ عُمَرُ مِنْ مِلْكِهِ إلَى غَيْرِهِ إذَا حَبَّسَهُ وَلَمَّا صَارَتْ الصَّدَقَاتُ مُبَدَّأَةً فِي الْإِسْلاَمِ لاَ مِثَالَ لَهَا قَبْلَهُ عَلَّمَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عُمَرَ فَلَمْ يَكُنْ فِيمَا أَمَرَهُ بِهِ إذَا حَبَّسَ أَصْلَهَا وَسَبَّلَ ثَمَرَتَهَا أَنْ يُخْرِجَهَا إلَى أَحَدٍ يَحُوزُهَا دُونَهُ دَلاَلَةٌ عَلَى أَنَّ الصَّدَقَةَ تَتِمُّ بِأَنْ يُحَبِّسَ أَصْلَهَا وَيُسَبِّلَ ثَمَرَتَهَا دُونَ وَالٍ يَلِيهَا كَمَا كَانَ فِي أَمْرِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَبَا@

الصفحة 124