كتاب الأم للشافعي - ط الوفاء (اسم الجزء: 5)

قَالَ : وَأَيْنَ الْقُرْآنُ الَّذِي خَالَفْت ؟ قُلْت : قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : ? إنْ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ } وَقَالَ : جَلَّ وَعَزَّ { وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ } فَإِنَّمَا نَقَلَ مِلْكَ الْمَوْتَى إلَى الْأَحْيَاءِ وَالْمَوْتَى خِلاَفُ الْأَحْيَاءِ , وَلَمْ يَنْقُلْ بِمِيرَاثٍ قَطُّ مِيرَاثَ حَيٍّ إلَى حَيٍّ فَنَقَلْت مِيرَاثَ الْحَيِّ إلَى الْحَيِّ , وَهُوَ خِلاَفُ حُكْمِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى . قَالَ : فَإِنِّي أَزْعُمُ أَنَّ رِدَّتَهُ وَلُحُوقَهُ بِدَارِ الْحَرْبِ مِثْلُ مَوْتِهِ , قُلْت : قَوْلُك هَذَا خَبَرٌ ؟ قَالَ : مَا فِيهِ خَبَرٌ , وَلَكِنِّي قُلْته قِيَاسًا . قُلْت : فَأَيْنَ الْقِيَاسُ ؟ قَالَ : أَلاَ تَرَى أَنِّي لَوْ وَجَدْته فِي هَذِهِ الْحَالِ قَتَلْته فَكَانَ مَيِّتًا , قُلْت : قَدْ عَلِمْت أَنَّك إذَا قَتَلْته مَاتَ فَأَنْتَ لَمْ تَقْتُلْهُ فَأَيْنَ الْقِيَاسُ ؟ إنَّمَا قَتْلُهُ لَوْ أَمَتَّهُ فَأَنْتَ لَمْ تُمِتْهُ . وَلَوْ كُنْت بِقَوْلِك لَوْ قَدَرْت عَلَيْهِ قَتَلْته كَالْقَاتِلِ لَهُ لَزِمَك إذَا رَجَعَ إلَى بِلاَدِ الْإِسْلاَمِ أَنْ يَكُونَ حُكْمُهُ الْمَيِّتَ فَتُنَفِّذُ عَلَيْهِ حُكْمَ الْمَوْتَى . قَالَ : مَا أَفْعَلُ وَكَيْفَ أَفْعَلُ , وَهُوَ حَيٌّ ؟ قُلْت : قَدْ فَعَلْت أَوَّلاً , وَهُوَ حَيٌّ ثُمَّ زَعَمْت أَنَّك إنْ حَكَمْت عَلَيْهِ بِحُكْمِ الْمَوْتَى فَرَجَعَ تَائِبًا وَأُمُّ وَلَدِهِ قَائِمَةٌ وَمُدَبَّرُهُ قَائِمٌ , وَفِي يَدِ غَرِيمِهِ مَالُهُ بِعَيْنِهِ الَّذِي دَفَعْته إلَيْهِ , وَهُوَ إلَى عَشْرِ سِنِينَ , وَفِي يَدِ أَبِيهِ مِيرَاثُهُ فَقَالَ : لَك رُدَّ عَلَيَّ مَالِي , وَهَذَا غَرِيمِي يَقُولُ هَذَا مَالُك بِعَيْنِهِ لَمْ أُغَيِّرْهُ , وَإِنَّمَا هُوَ لِي إلَى عَشْرِ سِنِينَ وَهَذِهِ أُمُّ وَلَدِي وَمُدَبَّرِي بِأَعْيَانِهِمَا . قَالَ : لاَ أَرُدُّهُ عَلَيْهِ ; لِأَنَّ الْحُكْمَ قَدْ نَفَذَ فِيهِ , قُلْنَا فَكَيْفَ رَدَدْت عَلَيْهِ مَا فِي يَدَيْ وَارِثِهِ , وَقَدْ نَفَذَ لَهُ بِهِ الْحُكْمُ ؟ قَالَ : هَذَا مَالُهُ بِعَيْنِهِ , قُلْنَا : وَالْمَالُ الَّذِي فِي يَدِ غَرِيمِهِ وَأُمِّ وَلَدِهِ وَمُدَبَّرُهُ مَالُهُ بِعَيْنِهِ , فَكَيْفَ نَقَضْت الْحُكْمَ فِي بَعْضِهِ دُونَ بَعْضٍ ؟ هَلْ قُلْت : هَذَا خَبَرًا , أَوْ قِيَاسًا قَالَ : مَا قُلْته خَبَرًا , وَلَكِنْ قُلْته قِيَاسًا , قُلْنَا فَعَلَى أَيِّ شَيْءٍ قِسْته ؟ قَالَ عَلَى أَمْوَالِ أَهْلِ الْبَغْيِ يُصِيبُهَا أَهْلُ الْعَدْلِ , فَإِنْ تَابَ أَهْلُ الْبَغْيِ فَوَجَدُوا أَمْوَالَهُمْ بِأَعْيَانِهَا أَخَذُوهَا , وَإِنْ لَمْ يَجِدُوهَا بِأَعْيَانِهَا لَمْ يَغْرَمْهَا أَهْلُ الْعَدْلِ , وَكَذَلِكَ مَا أَصَابَ أَهْلُ الْعَدْلِ لِأَهْلِ الْبَغْيِ @

الصفحة 183