كتاب الأم للشافعي - ط الوفاء (اسم الجزء: 5)
فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ : قَدْ هَلَكَ هَذَا الْعَبْدُ , وَهَذَا الْعَرَضُ ثُمَّ لَمْ يُحْدِثْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا حَوْلاً بَيْنَهُ وَبَيْنَ مِلْكِهِ إيَّاهُ فَكَيْفَ يَكُونُ مِنْ مَالِ الْبَائِعِ حَتَّى يُسَلِّمَهُ لِلْمُبْتَاعِ ؟ فَقِيلَ لَهُ بِالْأَمْرِ الْبَيِّنِ مِمَّا لاَ يَخْتَلِفُ النَّاسُ فِيهِ مِنْ أَنَّ مَنْ كَانَ بِيَدِهِ مِلْكٌ لِرَجُلٍ مَضْمُونًا عَلَيْهِ أَنْ يُسَلِّمَهُ إلَيْهِ مِنْ دَيْنٍ عَلَيْهِ أَوْ حَقٍّ لَزِمَهُ مِنْ وَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ أَرْشُ جِنَايَةٍ , أَوْ غَيْرِهَا , أَوْ غَصْبٍ , أَوْ أَيِّ شَيْءٍ مَا كَانَ فَأَحْضَرَهُ لِيَدْفَعَ إلَى مَالِكِهِ حَقَّهُ فِيهِ عَرَضًا بِعَيْنِهِ أَوْ غَيْرِ عَيْنِهِ فَهَلَكَ فِي يَدِهِ لَمْ يَبْرَأْ بِهَلاَكِهِ فِي يَدِهِ , وَإِنْ لَمْ يَحُلْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ صَاحِبِهِ وَكَانَ ضَمَانُهُ مِنْهُ حَتَّى يُسَلِّمَهُ إلَيْهِ , وَلَوْ أَقَامَا بَعْدَ إحْضَارِهِ إيَّاهُ فِي مَكَان وَاحِدٍ يَوْمًا وَاحِدًا , أَوْ سَنَةً , أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ ; لِأَنَّ تَرْكَ الْحَوْلِ بِغَيْرِ الدَّفْعِ لاَ يُخْرِجُ مَنْ عَلَيْهِ الدَّفْعُ إلَّا بِالدَّفْعِ فَكَانَ أَكْثَرُ مَا عَلَى الْمُتَبَايِعَيْنِ أَنْ يُسَلِّمَ هَذَا مَا بَاعَ , وَهَذَا مَا اشْتَرَى بِهِ فَلَمَّا لَمْ يَفْعَلاَ لَمْ يَخْرُجَا مِنْ ضَمَانٍ بِحَالٍ وَقَالَ اللَّهُ جَلَّ وَعَلاَ { وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً } , فَلَوْ أَنَّ امْرَأً نَكَحَ امْرَأَةً وَاسْتَخْزَنَهَا مَالَهُ , وَلَمْ يَحُلْ بَيْنَهَا وَبَيْنَ قَبْضِ صَدَاقِهَا , وَلَمْ يَدْفَعْهُ إلَيْهَا لَمْ يَبْرَأْ مِنْهُ بِأَنْ يَكُونَ وَاجِدًا لَهُ وَغَيْرَ حَائِلٍ دُونَهُ وَأَنْ تَكُونَ وَاجِدَةً لَهُ غَيْرَ مَحُولٍ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : ? وَأُقِيمُوا الصَّلاَةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ } , فَلَوْ أَنَّ امْرَأً أَحْضَرَ مَسَاكِينَ وَأَخْبَرَهُمْ أَنَّ لَهُمْ فِي مَالِهِ دَرَاهِمَ أَخْرَجَهَا بِأَعْيَانِهَا مِنْ زَكَاةِ مَالِهِ فَلَمْ يَقْبِضُوهَا , وَلَمْ يَحُلْ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهَا لَمْ تَخْرُجْ مِنْ أَنْ تَكُونَ مَضْمُونَةً عَلَيْهِ حَتَّى يُؤَدِّيَهَا , وَلَوْ تَلِفَتْ فِي يَدِهِ تَلِفَتْ مِنْ مَالِهِ , وَكَذَلِكَ لَوْ تَطَهَّرَ لِلصَّلاَةِ وَقَامَ يُرِيدُهَا , وَلاَ يُصَلِّيهَا لَمْ يَخْرُجْ مِنْ فَرْضِهَا حَتَّى يُصَلِّيَهَا . وَلَوْ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَقْتَصَّ مِنْ نَفْسِهِ مِنْ دَمٍ , أَوْ جُرْحٍ فَأَحْضَرَ الَّذِي لَهُ الْقِصَاصُ وَخَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ نَفْسِهِ , أَوْ خَلَّى الْحَاكِمُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ فَلَمْ يَقْتَصَّ , وَلَمْ يَعْفُ لَمْ يَخْرُجْ هَذَا مِمَّا عَلَيْهِ مِنْ الْقِصَاصِ ثُمَّ لاَ يَخْرُجْ أَحَدُهُمَا مِمَّا قِبَلَهُ إلَّا بِأَنْ يُؤَدِّيَهُ إلَى مَنْ هُوَ لَهُ , أَوْ يَعْفُوَهُ الَّذِي هُوَ لَهُ وَهَكَذَا أَصْلُ فَرْضِ اللَّهِ جَلَّ وَعَزَّ فِي جَمِيعِ مَا فَرَضَ , قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : ? وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إلَى أَهْلِهِ } فَجَعَلَ التَّسَلُّمَ الدَّفْعَ لاَ الْوُجُودَ وَتَرَكَ الْحَوْلَ وَالدَّفْعَ @
الصفحة 32