كتاب الأم للشافعي - ط الوفاء (اسم الجزء: 5)
وَقَالَ فِي الْيَتَامَى { فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ } وَقَالَ لِنَبِيِّهِ - صلى الله عليه وسلم - { وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ } فَفَرَضَ عَلَى كُلِّ مَنْ صَارَ إلَيْهِ حَقٌّ لِمُسْلِمٍ , أَوْ حَقٌّ لَهُ أَنْ يَكُونَ مُؤَدِّيَهُ وَأَدَاؤُهُ دَفْعُهُ لاَ تَرْكُ الْحَوْلِ دُونَهُ سَوَاءٌ دَعَاهُ إلَى قَبْضِهِ , أَوْ لَمْ يَدْعُهُ مَا لَمْ يُبْرِئْهُ مِنْهُ فَيَبْرَأُ مِنْهُ بِالْبَرَاءَةِ أَوْ يَقْبِضُهُ مِنْهُ فِي مَقَامِهِ , أَوْ غَيْرِ مَقَامِهِ ثُمَّ يُودِعُهُ إيَّاهُ , وَإِذَا قَبَضَهُ ثُمَّ أَوْدَعَهُ إيَّاهُ فَضَمَانُهُ مِنْ مَالِكِهِ ( قَالَ الرَّبِيعُ ) يُرِيدُ الْقَابِضَ لَهُ , وَهُوَ الْمُشْتَرِي
قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَإِذَا اكْتَرَى الرَّجُلُ مِنْ الرَّجُلِ الْأَرْضَ , أَوْ الدَّارَ كِرَاءً صَحِيحًا بِشَيْءٍ مَعْلُومٍ سَنَةً أَوْ أَكْثَرَ تَمَّ قَبْضُ الْمُكْتَرِي مَا اكْتَرَى فَالْكِرَاءُ لَهُ لاَزِمٌ فَيَدْفَعُهُ حِينَ يَقْبِضُهُ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ إلَى أَجَلٍ فَيَكُونُ إلَى أَجَلِهِ فَإِنْ سَلَّمَ لَهُ مَا اكْتَرَى , فَقَدْ اسْتَوْفَى , وَإِنْ تَلِفَ رَجَعَ بِمَا قَبَضَ مِنْهُ مِنْ الْكِرَاءِ كُلِّهِ فِيمَا لَمْ يَسْتَوْفِ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ يَدْفَعُ إلَيْهِ الْكِرَاءَ كُلَّهُ وَلَعَلَّ الدَّارَ أَنْ تَتْلَفَ , أَوْ الْأَرْضَ قَبْلَ أَنْ يُسْتَوْفَى ؟ قِيلَ : لاَ أَعْلَمُ يَجُوزُ غَيْرُ هَذَا مِنْ أَنْ تَكُونَ الدَّارُ الَّتِي مَلَكَ مَنْفَعَتَهَا مَدْفُوعَةً إلَيْهِ فَيَسْتَوْفِي الْمَنْفَعَةَ الْمُدَّةَ الَّتِي شُرِطَتْ لَهُ وَأَوْلَى النَّاسِ أَنْ يَقُولَ بِهَذَا مَنْ زَعَمَ أَنَّ الْجَائِحَةَ مَوْضُوعَةٌ , وَقَدْ دَفَعَ الْبَائِعُ الثَّمَرَةَ إلَى الْمُشْتَرِي , وَلَوْ شَاءَ الْمُشْتَرِي أَنْ يَقْطَعَهَا كُلَّهَا قَطَعَهَا فَلَمَّا كَانَ الْمُشْتَرِي إذَا تَرَكَهَا إلَى أَوَانٍ يَرْجُو أَنْ تَكُونَ خَيْرًا لَهُ فَتَلِفَ رَجَعَ بِحِصَّةِ مَا تَلِفَ كَانَ فِي الدَّارِ الَّتِي لاَ يَقْدِرُ عَلَى قَبْضِ مَنْفَعَتِهَا إلَّا فِي مُدَّةٍ تَأْتِي عَلَيْهَا أَوْلَى أَنْ يَجْعَلَ الثَّمَنَ لِلْمُكْرِي حَالًّا كَمَا يَجْعَلُهُ لِلثَّمَرَةِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ إلَى أَجَلٍ . فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ : مَنْ قَالَ هَذَا ؟ قِيلَ لَهُ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ وَغَيْرُهُ مِنْ الْمَكِّيِّينَ فَإِنْ قَالَ فَمَا حُجَّتُك عَلَى مَنْ قَالَ مِنْ الْمَشْرِقِيِّينَ إذَا تَشَارَطَا فَهُوَ عَلَى شَرْطِهِمَا , وَإِنْ لَمْ يَتَشَارَطَا فَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ يَوْمٌ لَهُ حِصَّةٌ مِنْ الْكِرَاءِ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَدْفَعَ كِرَاءَ يَوْمِهِ قِيلَ لَهُ : مَنْ قَالَ هَذَا لَزِمَهُ فِي أَصْلِ قَوْلِهِ أَنْ يُجِيزَ الدَّيْنَ بِالدَّيْنِ إذَا لَمْ يَقُلْ كَمَا قُلْنَا : إنَّ الْكِرَاءَ يُلْزِمُ بِدَفْعِ الدَّارِ ; لِأَنَّهُ لاَ يُوجَدُ فِي هَذَا أَبَدًا دَفْعُ غَيْرِهِ , وَقَالَ : الْمَنْفَعَةُ تَأْتِي يَوْمًا بَعْدَ يَوْمٍ فَلاَ أَجْعَلُ دَفْعَ الدَّارِ يَكُونُ فِي حُكْمِ دَفْعِ الْمَنْفَعَةِ , قِيلَ : فَالْمَنْفَعَةُ دَيْنٌ لَمْ يَأْتِ وَالْمَالُ دَيْنٌ لَمْ يَأْتِ , وَهَذَا الدَّيْنُ بِالدَّيْنِ وَسَوَاءٌ كَانَتْ أَرْضَ نِيلٍ أَوْ غَيْرَهَا , أَوْ أَرْضَ مَطَرٍ@
الصفحة 33