كتاب الأم للشافعي - ط الوفاء (اسم الجزء: 5)
( قَالَ ) وَإِذَا تَكَارَى الرَّجُلُ الْمُسْلِمُ مِنْ الذِّمِّيِّ أَرْضَ عُشْرٍ , أَوْ خَرَاجٍ فَعَلَيْهِ فِيمَا أَخْرَجَتْ مِنْ الزَّرْعِ الصَّدَقَةُ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ : فَمَا الْحُجَّةُ فِي هَذَا ؟ قِيلَ لِمَا أَخَذَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - الصَّدَقَةَ مِنْ قَوْم كَانُوا يَمْلِكُونَ أَرْضَهُمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَهَذِهِ أَرْضٌ مَنْ زَرَعَهَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَإِنَّمَا زَرَعَ مَا لاَ يَمْلِكُ مِنْ الْأَرْضِ وَمَا كَانَ أَصْلُهُ فَيْئًا , أَوْ غَنِيمَةً , فَإِنَّ اللَّهَ جَلَّ ذِكْرُهُ خَاطَبَ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنْ قَالَ لِنَبِيِّهِ - صلى الله عليه وسلم - { خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا } وَخَاطَبَهُمْ بِأَنْ قَالَ { وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ } فَلَمَّا كَانَ الزَّرْعُ مَالاً مِنْ مَالِ الْمُسْلِمِ وَالْحَصَادُ حَصَادَ مُسْلِمٍ تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ وَجَبَ عَلَيْهِ مَا كَانَ لاَ يَمْلِكُ رَقَبَةَ الْأَرْضِ , فَإِنْ قَالَ فَهَلْ مِنْ شَيْءٍ تُوَضِّحُهُ غَيْرَ هَذَا ؟ قِيلَ : نَعَمْ الرَّجُلُ يَتَكَارَى مِنْ الرَّجُلِ الْأَرْضَ أَوْ يَمْنَحُهُ إيَّاهَا فَيَكُونُ عَلَيْهِ فِي زَرْعِهَا الصَّدَقَةُ كَمَا يَكُونُ عَلَيْهِ لَوْ زَرَعَ أَرْضَ نَفْسِهِ , فَإِنْ قَالَ : فَهَذِهِ لِمَالِكٍ مَعْرُوفٍ , قِيلَ : فَكَذَلِكَ يَتَكَارَى فِي الْأَرْضِ الْمَوْقُوفَةِ عَلَى أَبْنَاءِ السَّبِيلِ وَغَيْرِهِمْ مِمَّنْ لاَ يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ , وَإِنَّمَا يُعْرَفُ بِصِفَتِهِ فَيَكُونُ عَلَيْهِ فِي زَرْعِهَا الصَّدَقَةُ . فَإِنْ قَالَ : هَذَا هَكَذَا , وَلَكِنَّ أَصْلَ هَذِهِ لِمُسْلِمٍ , أَوْ لِمُسْلِمَيْنِ وَأَصْلَ تِلْكَ لِمُشْرِكٍ قِيلَ لَوْ كَانَتْ لِمُشْرِكٍ مَا حَلَّ لَنَا إلَّا بِطِيبِ نَفْسِهِ , وَلَكِنْ لَمَّا كَانَتْ عَنْوَةً , أَوْ صُلْحًا كَانَتْ مَالاً لِلْمُسْلِمِينَ كَمَا تُغْنَمُ أَمْوَالُهُمْ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فَيَكُونُ عَلَيْنَا فِيهَا الصَّدَقَةُ كَمَا يَكُونُ عَلَيْنَا فِيمَا وَرِثْنَا مِنْ آبَائِنَا ; لِأَنَّ مِلْكَهُمْ قَدْ انْقَطَعَ عَنْهُمْ فَصَارَ لَنَا , وَكَذَلِكَ الْأَرْضُ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَهِيَ لِقَوْمٍ غَيْرِ مَعْرُوفِينَ , قِيلَ هِيَ لِقَوْمٍ مَعْرُوفِينَ بِالصِّفَةِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ , وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا مَعْرُوفِينَ أَعْيَانُهُمْ كَمَا تَكُونُ الْأَرْضُ الْمَوْقُوفَةُ لِقَوْمٍ مَوْصُوفِينَ , فَإِنْ قَالَ : فَالْخَرَاجُ يُؤْخَذُ مِنْهَا , قِيلَ : لَوْلاَ أَنَّ الْخَرَاجَ كِرَاءٌ كَكِرَاءِ الْأَرْضِ الْمَوْقُوفَةِ وَكِرَاءُ الْأَرْضِ لِلرَّجُلِ حَرَّمَ عَلَى الْمُسْلِمِ أَنْ يُؤَدِّيَ خَرَاجًا وَعَلَى الْآخِذِ مِنْهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا خَرَاجًا , وَلَكِنَّهُ إنَّمَا هُوَ كِرَاءٌ , أَلاَ تَرَى أَنَّ الرَّجُلَ يَكْتَرِي الْأَرْضَ بِالشَّيْءِ الْكَثِيرِ فَلاَ يُحْسَبُ عَلَيْهِ , وَلاَ لَهُ فَيُخَفَّفُ عَنْهُ مِنْ صَدَقَتِهَا شَيْءٌ لِمَا أَدَّى مِنْ كِرَائِهَا
قَالَ الشَّافِعِيُّ : فَإِذَا ابْتَاعَ الرَّجُلُ مِنْ الرَّجُلِ عَبْدًا فَتَصَادَقَا عَلَى الْبَيْعِ وَالْقَبْضِ وَاخْتَلَفَا فِي الثَّمَنِ وَالْعَبْدُ قَائِمٌ تَحَالَفَا وَتَرَادَّا فَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ تَالِفًا تَحَالَفَا بِبَلْعِهِ قِيمَةَ الْعَبْدِ , وَإِذَا كَانَ قَائِمًا وَهُمَا يَتَصَادَقَانِ فِي الْبَيْعِ وَيَخْتَلِفَانِ فِي الثَّمَنِ رُدَّ الْعَبْدُ بِعَيْنِهِ@
الصفحة 34