كتاب الأم للشافعي - ط الوفاء (اسم الجزء: 5)

قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَأَصْلُ هَذَا أَنْ يَنْظُرَ إلَى الْبَيْعَةِ , فَإِذَا وَقَعَتْ عَلَى شَيْءٍ يَتَبَعَّضُ وَيَجُوزُ أَنْ يَقْبِضَ بَعْضَهُ دُونَ بَعْضٍ فَتَلِفَ بَعْضُهُ قُلْت فِيهِ هَكَذَا , وَإِنْ وَقَعَتْ عَلَى شَيْءٍ لاَ يَتَبَعَّضُ مِثْلُ عَبْدٍ اشْتَرَيْته فَلَمْ تَقْبِضْهُ حَتَّى حَدَثَ بِهِ عَيْبٌ كُنْت فِيهِ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَخْذِهِ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ أَوْ رَدِّهِ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَسْلَمْ لَك فَتَقْبِضَهُ غَيْرَ مَعِيبٍ . فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ : مَا فَرْقُ مَا بَيْنَ هَذَيْنِ ؟ قِيلَ : لاَ يَكُونُ الْعَبْدُ يَتَبَعَّضُ مِنْ الْعَيْبِ , وَلاَ الْعَيْبُ يَتَبَعَّضُ مِنْ الْعَبْدِ , فَقَدْ يَكُونُ الْمَسْكَنُ مُتَبَعِّضًا مِنْ الْمَسْكَنِ مِنْ الدَّارِ وَالْأَرْضِ , وَكَذَلِكَ إذَا تَكَارَى الرَّجُلُ مِنْ الرَّجُلِ الْأَرْضَ عَشْرَ سِنِينَ بِمِائَةِ دِينَارٍ لَمْ يَجُزْ حَتَّى يُسَمِّيَ لِكُلِّ سَنَةٍ شَيْئًا مَعْلُومًا , وَإِذَا اكْتَرَى الرَّجُلُ مِنْ الرَّجُلِ أَرْضَهُ , أَوْ دَارِهِ فَقَالَ : أَكْتَرِيهَا مِنْك كُلَّ سَنَةٍ بِدِينَارٍ أَوْ أَكْثَرَ , وَلَمْ يُسَمِّ السَّنَةَ الَّتِي يَكْتَرِيهَا , وَلاَ السَّنَةَ الَّتِي يَنْقَطِعُ إلَيْهَا الْكِرَاءُ فَالْكِرَاءُ فَاسِدٌ لاَ يَجُوزُ إلَّا عَلَى أَمْرٍ يَعْرِفُهُ الْمُكْرِي وَالْمُكْتَرِي . كَمَا لاَ تَجُوزُ الْبُيُوعُ إلَّا عَلَى مَا يُعْرَفُ , وَهَذَا كَلاَمٌ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْكِرَاءُ فِيهِ يَنْقَضِي إلَى مِائَةِ سَنَةٍ , أَوْ أَكْثَرَ أَوْ أَقَلَّ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ سَنَةً وَيُحْتَمَلُ أَقَلَّ مِنْ سَنَةٍ فَكَانَ هَذَا كِرَاءً مَجْهُولاً يَفْسَخُهُ قَبْلَ السُّكْنَى . فَإِنْ فَاتَ فِيهِ السُّكْنَى جَعَلْنَا فِيهِ عَلَى الْمُكْتَرِي أَجْرَ مِثْلِهِ كَانَ أَكْثَرَ مِمَّا وَقَعَ بِهِ الْكِرَاءُ , أَوْ أَقَلَّ : إذَا أَبْطَلْنَا أَصْلَ الْعَقْدِ فِيهِ وَصَيَّرْنَاهُ قِيمَةً لَمْ نَجْعَلْ الْبَاطِلَ دَلِيلاً عَلَى الْحَقِّ
قَالَ الشَّافِعِيُّ : فَإِذَا زَرَعَ الرَّجُلُ أَرْضَ رَجُلٍ فَادَّعَى أَنَّ رَبَّ الْأَرْضِ أَكْرَاهُ , أَوْ أَعَارَهُ إيَّاهَا وَجَحَدَ رَبُّ الْأَرْضِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّ الْأَرْضِ مَعَ يَمِينِهِ وَيُقْلِعُ الزَّارِعُ فِي زَرْعِهِ وَعَلَى الزَّارِعِ كِرَاءُ مِثْلِ أَرْضِهِ إلَى يَوْمِ يُقْلِعُ زَرْعَهُ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَسَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ فِي إبَّانِ الزَّرْعِ , أَوْ فِي غَيْرِ إبَّانِهِ إذَا كَانَ زَارِعُ الْأَرْضِ الْمُدَّعِي لِلْكِرَاءِ حَبَسَهَا عَنْ مَالِكِهَا فَإِنَّمَا أَحْكُمُ عَلَيْهِ حُكْمَ الْغَاصِبِ , وَإِذَا تَكَارَى الرَّجُلُ مِنْ الرَّجُلِ أَرْضًا فِيهَا زَرْعٌ لِغَيْرِهِ لاَ يَسْتَطِيعُ إخْرَاجَهُ مِنْهَا إلَى أَنْ يَحْصُدَهُ فَالْكِرَاءُ مَفْسُوخٌ لاَ يَجُوزُ حَتَّى يَكُونَ الْمُكْتَرِي يَرَى الْأَرْضَ لاَ حَائِلَ دُونَهَا مِنْ الزَّرْعِ وَيَقْبِضُهَا لاَ حَائِلَ دُونَهَا مِنْ الزَّارِعِينَ لِأَنَّا نَجْعَلُهُ بَيْعًا مِنْ الْبُيُوعِ فَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَبِيعَ لِرَجُلٍ عَيْنًا لاَ يَقْدِرُ الْمُبْتَاعُ عَلَى قَبْضِهَا حِينَ تَجِبُ لَهُ وَيَدْفَعُ الثَّمَنَ , وَلاَ أَنْ نَجْعَلَ عَلَى الْمُبْتَاعِ وَالْمُكْتَرِي الثَّمَنَ وَلَعَلَّ الْمُكْتَرَى أَنْ يَتْلَفَ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ , وَلاَ يَجُوزُ أَنْ@

الصفحة 36