كتاب الأم للشافعي - ط الوفاء (اسم الجزء: 5)

السُّنَّةَ وَإِجْمَاعَ الْفُقَهَاءِ وَلَيْسَ فِي السُّنَّةِ وَلاَ إجْمَاعِ الْفُقَهَاءِ إلَّا التَّسْلِيمُ , وَلاَ تُضْرَبُ لَهُ الْأَمْثَالُ , وَلاَ تَدْخُلُ عَلَيْهِ الْمَقَايِيسُ قُلْنَا : فَإِذَا اجْتَمَعَ الْفُقَهَاءُ عَلَى إجَازَتِهَا وَصَيَّرُوهَا مِلْكَ مَنْفَعَةٍ مَعْقُولَةٍ , وَإِنْ كَانَتْ لاَ تَكُونُ شَيْئًا يُكَالُ , وَلاَ يُوزَنُ , وَلاَ يُذْرَعُ وَأَجَازَهَا مَغِيبَةً وَأَوْجَبُوهَا كَمَا أَوْجَبُوا غَيْرَهَا مِنْ الْبُيُوعِ ثُمَّ صِرْت إلَى عَيْبِ قَوْلنَا فِيهَا وَأَنْتَ تُجِيزُهَا . وَقَوْلُنَا قَوْلٌ مُسْتَقِيمٌ عَلَى السُّنَّةِ وَالْآثَارِ وَصِرْت بِحُجَّةِ مَنْ أَبْطَلَهَا , فَإِذَا قِيلَ لَك : إنْ كَانَتْ فِي هَذَا حُجَّةٌ فَأَبْطِلْهَا , وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ حُجَّةٌ فَلاَ تَحْتَجَّ بِهِ قُلْت : لاَ أُبْطِلُهَا ; لِأَنَّهَا السُّنَّةُ وَإِجْمَاعُ الْفُقَهَاءِ , فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ : فَدَعْ حُجَّةَ مَنْ أَخْطَأَ فِي إبْطَالِهَا وَأَجِزْهَا كَمَا أَجَازَهَا الْفُقَهَاءُ , فَقَدْ أَجَازُوهَا , وَإِذَا أَجَازُوهَا فَلاَ يَجُوزُ عِنْدَنَا أَنْ يَكُونُوا أَجَازُوهَا إلَّا عَلَى أَنَّهَا تَمْلِيكُ مَنْفَعَةٍ مَعْقُولَةٍ وَمَا كَانَ تَمْلِيكًا , فَقَدْ يُوجِبُ ثَمَنَهُ وَإِلَّا صِرْت إلَى حُجَّةِ مَنْ أَبْطَلَهَا . فَإِنْ قَالَ لَك قَائِلٌ : فَكَيْفَ صَيَّرَتْ هَذَا قَبْضًا وَالْقَبْضُ مَا يَصِيرُ فِي يَدَيْ صَاحِبِهِ الَّذِي قَبَضَهُ وَيَقْطَعُ عَنْهُ مِلْكَ الَّذِي دَفَعَهُ ؟ قِيلَ لَهُ : إنَّ الدَّفْعَ مِنْ الْمَالِكِ لِمَنْ مَلَكَهُ يَخْتَلِفُ , أَلاَ تَرَى أَنَّ رَجُلاً لَوْ ابْتَاعَ بُيُوعًا وَدَفَعَ إلَيْهِ أَثْمَانَهَا ثُمَّ حَاكَمَهُ إلَى الْقَاضِي قَضَى عَلَيْهِ بِدَفْعِهَا فَإِنْ كَانَ عَبْدًا , أَوْ ثَوْبًا , أَوْ شَيْئًا وَاحِدًا سَلَّمَهُ إلَيْهِ , وَإِنْ كَانَ شَيْئًا يَتَجَزَّأُ بِعَيْنِهِ فَكَانَ طَعَامًا فِي بَيْتٍ اسْتَوْجَبَهُ كُلَّهُ بِكَيْلٍ عَلَى أَنَّ كُلَّ مُدٍّ بِدِرْهَمٍ قَالَ كُلُّهُ لَهُ فَكَانَ يَقْبِضُهُ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ لاَ جُمْلَةً كَقَبْضِهِ الْوَاحِدَةَ فَيَقْضِي عَلَيْهِ بِدَفْعِ كُلِّ صِنْفٍ مِنْ هَذَا كَمَا يُسْتَطَاعُ قَبْضَهُ فَكَذَلِكَ قَضَى عَلَيْهِ بِدَفْعِ الْإِجَارَةِ كَمَا يُسْتَطَاعُ , وَلاَ يُسْتَطَاعُ فِيهَا أَكْثَرُ مِنْ تَسْلِيمِ الَّذِي فِيهِ الْمَنْفَعَةُ إلَى الَّذِي مُلِكَ فِيهِ الْمَنْفَعَةُ , وَالْمَنْفَعَةُ فِيهَا مَعْرُوفَةٌ كَمَا الشِّرَاءُ فِي الدَّارِ الْمُشَاعَةِ مَعْرُوفٌ بِحِسَابٍ وَفِي غَيْرِهِ . فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ : فَإِنَّ الَّذِي فِيهِ الْمَنْفَعَةُ بِسَلَمٍ ثُمَّ يَنْهَدِمُ الْمَنْزِلُ , أَوْ يَمُوتُ الْعَبْدُ فَتَكُونُ@

الصفحة 51