كتاب الأم للشافعي - ط الوفاء (اسم الجزء: 5)
الْإِجَارَةُ رَدَّهُ ; لِأَنَّهُ إنَّمَا دَفَعَهُ بِاسْمِ الْإِجَارَةِ لاَ وَاهِبًا لَهُ فَإِنْ كَانَ دَفَعَهُ بِالْإِجَارَةِ وَالْإِجَارَةُ لاَ يَلْزَمُهُ بِهَا دَفَعَ فَيَنْبَغِي أَنْ يَرُدَّهُ عَلَيْهِ مَتَى شَاءَ ثُمَّ قَالَ فِيهِ قَوْلاً آخَرَ أَعْجَبَ مِنْ هَذَا قَالَ إنْ تَكَارَى دَابَّةً بِمِائَةِ دِرْهَمٍ فَلَمْ يَجِبْ مِنْ الْمِائَةِ شَيْءٌ فَأَرَادَ أَنْ يَدْفَعَهَا دَنَانِيرَ يَصْرِفُهَا كَانَ حَلاَلاً فَقِيلَ لَهُ أَتَعْنِي بِهِ تَحَوُّلَ الْكِرَاءِ إلَى الدَّنَانِيرِ وَتَنْقُضُهُ مِنْ الدَّرَاهِمِ ؟ قَالَ لاَ : وَلَكِنَّهُ يُصَارِفُهُ بِهَا بِسِعْرِ يَوْمِهِ قُلْنَا أَوْ يَحِلُّ الصَّرْفُ فِي شَيْءٍ لَمْ يَجِبْ ؟ قَالَ هُوَ وَاجِبٌ فَلَمَّا قَالُوا يَجِبُ عَلَى صَاحِبِهِ إذَا لَمْ يُسَمِّ لَهُ أَجَلاً دَفَعَ مَكَانَهُ كَمَا لَوْ اشْتَرَى رَجُلٌ سِلْعَةً بِمِائَةٍ أَوْ ضَمِنَ عَنْ رَجُلٍ مِائَةً , وَلَمْ يُسَمِّ أَجَلاً كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَدْفَعَ الْمِائَةَ مَكَانَهُ , وَهَذَا قَوْلُنَا وَقَوْلُك فِي الْوَاجِبِ كُلِّهِ إذَا لَمْ يُسَمِّ لَهُ أَجَلاً فَكَيْفَ قُلْت فِي الْمُسْتَأْجِرِ الْإِجَارَةُ وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَدْفَعَهَا وَلَهُ أَنْ يُصَارِفَ بِهَا وَالْإِجَارَةُ إلَى غَيْرِ أَجَلٍ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : فَإِنْ قَالَ : هِيَ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ وَذَلِكَ أَنَّهُ إذَا اسْتَأْجَرَ عَبْدًا سَنَةً فَكُلُّ يَوْمٍ مِنْ السَّنَةِ أَجَلٌ مَعْلُومٌ وَلِكُلِّ يَوْمٍ مِنْ السَّنَةِ أُجْرَةٌ مَعْلُومَةٌ وَالْمِائَةُ الدِّرْهَمِ الَّتِي اسْتَأْجَرَ بِهَا الْعَبْدَ السَّنَةَ لاَزِمَةٌ عَلَى هَذَا الْحِسَابِ قِيلَ لَهُ فَمَا تَقُولُ فِيهِ إنْ مَرِضَ أَحَدَ عَشَرَ شَهْرًا مِنْ السَّنَةِ , أَوْ شَهْرًا مِنْ أَوَّلِهَا , أَوْ وَسَطِهَا فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْخِدْمَةِ ؟ أَلَيْسَ إنْ قُلْت يَنْتَظِرُ , فَإِذَا صَحَّ اسْتَخْدَمَهُ فِيمَا يَسْتَقْبِلُ ؟ , فَقَدْ زَعَمْت أَنَّ حِصَّةَ الْأَحَدَ عَشَرَ شَهْرًا , أَوْ الشَّهْرِ قَدْ كَانَتْ فِي وَقْتٍ لاَزِمٍ ثُمَّ اسْتَأْجَرَ عَنْهُ , أَوْ كَانَ وَاجِبًا ثُمَّ بَطَلَ فَإِنْ جَعَلْت لَهُ أَنْ يَسْتَخْدِمَهُ أَحَدَ عَشَرَ شَهْرٍ , أَوْ شَهْرًا مِنْ سَنَةٍ أُخْرَى , فَقَدْ جَعَلْت أَجَلاً بَعْدَ أَجَلٍ وَنَقَلْت عَمَلَ سَنَةٍ فِي سَنَةٍ أُخْرَى , وَإِنْ قُلْت وَاجِبَةٌ إنْ كَانَتْ فَهَذَا الْفَسَادُ الَّذِي لاَ شَكْلَ ; لِأَنَّ الْإِجَارَةَ تَمْلِيكُ مَنْفَعَةٍ مِنْ عَيْنِ مَعْرُوفٍ وَالْمَنْفَعَةُ مَعْرُوفَةٌ بِتَمْلِيكِ دَرَاهِمَ مُسَمَّاةٍ , فَإِذَا كَانَ التَّمْلِيكُ مَغِيبًا لاَ يَدْرِي أَيَكُونُ أَمْ لاَ يَكُونُ ; لِأَنَّهُ قَدْ يَمُوتُ الْعَبْدُ وَيَأْبَقُ وَيَمْرَضُ فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ تَمْلِكَ مَنْفَعَةً مَغِيبَةً بِدَرَاهِمَ @
الصفحة 54