كتاب الأم للشافعي - ط الوفاء (اسم الجزء: 5)
وَإِذَا عَقَدَ لَهُمْ الْعَقْدَ عَلَى شَيْءٍ مُسَمًّى لَمْ يَجُزْ عِنْدِي أَنْ يُزَادَ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ فِيهِ بَالِغًا يُسْرُهُ مَا بَلَغَ وَإِنْ صَالَحُوا عَلَى ضِيَافَةٍ مَعَ الْجِزْيَةِ فَلاَ بَأْسَ وَكَذَلِكَ لَوْ صَالَحُوا عَلَى مَكِيلَةِ طَعَامٍ كَانَ ذَلِكَ كَمَا يُصَالِحُونَ عَلَيْهِ مِنْ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ وَلاَ تَكُونُ الْجِزْيَةُ إلَّا فِي كُلِّ سَنَةٍ مَرَّةً وَلَوْ حَاصَرْنَا أَهْلَ مَدِينَةٍ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ فَعَرَضُوا عَلَيْنَا أَنْ يُعْطُونَا الْجِزْيَةَ لَمْ يَكُنْ لَنَا قِتَالُهُمْ إذَا أَعْطُونَاهَا وَأَنْ يَجْرِيَ عَلَيْهِمْ حُكْمُنَا وَإِنْ قَالُوا نُعْطِيكُمُوهَا وَلاَ يَجْرِي عَلَيْنَا حُكْمُكُمْ لِمَ لَمْ يَلْزَمْنَا أَنْ نَقْبَلَهَا مِنْهُمْ لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ { حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ } فَلَمْ أَسْمَعْ مُخَالِفًا فِي أَنَّ الصَّغَارَ أَنْ يَعْلُوَ حُكْمُ الْإِسْلاَمِ عَلَى حُكْمِ الشِّرْكِ وَيَجْرِي عَلَيْهِمْ وَلَنَا أَنْ نَأْخُذَ مِنْهُمْ مُتَطَوِّعِينَ وَعَلَى النَّظَرِ لِلْإِسْلاَمِ وَأَهْلِهِ وَإِنْ لَمْ يَجْرِ عَلَيْهِمْ الْحُكْمُ كَمَا يَكُونُ لَنَا تَرْكُ قِتَالِهِمْ وَلَوْ عَرَضُوا عَلَيْنَا أَنْ يُعْطُونَا الْجِزْيَةَ وَيَجْرِي عَلَيْهِمْ الْحُكْمُ فَاخْتَلَفْنَا نَحْنُ وَهُمْ فِي الْجِزْيَةِ فَقُلْنَا : لاَ نَقْبَلُ إلَّا كَذَا وَقَالُوا : لاَ نُعْطِيكُمْ إلَّا كَذَا رَأَيْت وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ أَنْ يَلْزَمَنَا أَنْ نَقْبَلَ مِنْهُمْ دِينَارًا دِينَارًا لِأَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَدْ أَخَذَهُ مِنْ نَصْرَانِيٍّ بِمَكَّةَ مَقْهُورٍ وَمِنْ ذِمَّةِ الْيَمَنِ وَهُمْ مَقْهُورُونَ وَلَمْ يَلْزَمْنَا أَنْ نَأْخُذَ مِنْهُمْ أَقَلَّ مِنْهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ لِأَنَّا لَمْ نَجِدُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَلاَ أَحَدًا مِنْ الْأَئِمَّةِ أَخَذَ مِنْهُمْ أَقَلَّ مِنْهُ وَاثْنَا عَشَرَ دِرْهَمًا فِي زَمَانِ عُمَرَ رضي الله تعالى عنه كَانَتْ دِينَارًا فَإِنْ كَانَ أَخَذَهَا فَهِيَ دِينَارٌ وَهِيَ أَقَلُّ مَا أُخِذَ وَنَزْدَادُ مِنْهُمْ مَا لَمْ نَعْقِدْ لَهُمْ شَيْئًا مِمَّا قَدَرْنَا عَلَيْهِ وَإِنْ كُنْت فِي الْعَقْدِ لَهُمْ أَنْ يُخَفِّفَ عَمَّنْ افْتَقَرَ مِنْهُمْ إلَى أَنْ يَجِدَ كَانَ ذَلِكَ جَائِزًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْعُقْدَةَ كَانَ ذَلِكَ لاَزِمًا لَهُمْ وَالْبَالِغُونَ مِنْهُمْ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ الزَّمِنُ وَغَيْرُ الزَّمِنِ فَإِنْ أَعْوَزَ أَحَدُهُمْ بِجِزْيَتِهِ فَهِيَ دَيْنٌ عَلَيْهِ يُؤْخَذُ مِنْهُ مَتَى قَدَرَ عَلَيْهَا وَإِنْ غَابَ سِنِينَ ثُمَّ رَجَعَ أُخِذَتْ مِنْهُ لِتِلْكَ السِّنِينَ إذَا كَانَتْ غَيْبَتُهُ فِي بِلاَدِ الْإِسْلاَمِ وَالْحَقُّ لاَ يُوضَعُ عَنْ شَيْخٍ وَلاَ مُقْعَدٍ وَلَوْ حَالَ عَلَيْهِ حَوْلٌ أَوْ أَحْوَالٌ وَلَمْ تُؤْخَذْ مِنْهُ ثُمَّ أَسْلَمَ أُخِذَتْ مِنْهُ لِأَنَّهَا كَانَتْ لَزِمَتْهُ فِي حَالِ شِرْكِهِ فَلاَ يَضَعُ الْإِسْلاَمُ عَنْهُ دَيْنًا لَزِمَهُ لِأَنَّهُ حَقٌّ لِجَمَاعَةِ@
الصفحة 685