كتاب الأم للشافعي - ط الوفاء (اسم الجزء: 5)
الْأَبْيَضَ بْنَ حَمَّالٍ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يُقْطِعَهُ مِلْحَ مَأْرِبَ فَأَرَادَ أَنْ يُقْطِعَهُ , أَوْ قَالَ : أُقْطِعُهُ إيَّاهُ , فَقِيلَ لَهُ إنَّهُ كَالْمَاءِ الْعَدِّ } , قَالَ : فَلاَ إذَنْ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : فَنَمْنَعُهُ إقْطَاعَ مِثْلِ هَذَا فَإِنَّمَا هَذَا حِمًى , وَقَدْ قَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - { لاَ حِمَى إلَّا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ } فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ : فَكَيْفَ يَكُونُ حِمًى ؟ قِيلَ : هُوَ لاَ يُحْدِثُ فِيهِ شَيْئًا تَكُونُ الْمَنْفَعَةُ فِيهِ مِنْ عَمَلِهِ , وَلاَ يَطْلُبُ فِيهِ شَيْئًا لاَ يُدْرِكُهُ إلَّا بِالْمُؤْنَةِ عَلَيْهِ إنَّمَا يَسْتَدِرْك فِيهِ شَيْئًا ظَاهِرًا ظُهُورَ الْمَاءِ وَالْكَلاَِ , فَإِذَا تَحَجَّرَ مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ هَذَا , فَقَدْ حَمَى لِخَاصَّةِ نَفْسِهِ فَلَيْسَ ذَلِكَ لَهُ , وَلَكِنَّهُ شَرِيكٌ فِيهِ كَشَرِكَتِهِ فِي الْمَاءِ وَالْكَلاَِ الَّذِي لَيْسَ فِي مِلْكِ أَحَدٍ , فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ : فَإِقْطَاعُ الْأَرْضِ لِلْبِنَاءِ وَالْغِرَاسِ لَيْسَ حِمًى , قِيلَ : إنَّهُ إنَّمَا يَقْطَعُ مِنْ الْأَرْضِ مَا لاَ يَضُرُّ بِالنَّاسِ وَمَا يَسْتَغْنِي بِهِ وَيَنْتَفِعُ بِهِ هُوَ وَغَيْرُهُ , قَالَ : وَلاَ يَكُونُ ذَلِكَ إلَّا بِمَا يُحْدِثُهُ هُوَ فِيهِ مِنْ مَالٍ فَتَكُونُ مَنْفَعَتُهُ بِمَا اسْتَحْدَثَ مِنْ مَالِهِ مِنْ بِنَاءٍ أَحْدَثَهُ , أَوْ غَرْسٍ , أَوْ زَرْعٍ لَمْ يَكُنْ لِآدَمِيٍّ وَمَاءٍ احْتَفَرَهُ , وَلَمْ يَكُنْ وَصَلَ إلَيْهِ آدَمِيٌّ إلَّا بِاحْتِفَارِهِ , وَقَدْ أَقْطَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَسَلَّمَ الدُّورَ وَالْأَرْضِينَ , فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْحِمَى الَّذِي نَهَى عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - هُوَ أَنْ يَحْمِيَ الرَّجُلُ الْأَرْضَ لَمْ تَكُنْ مِلْكًا لَهُ ,@
الصفحة 80