كتاب الأم للشافعي - ط الوفاء (اسم الجزء: 5)
يَمْنَعْك وَأَنْتَ وَهُمْ فِيهَا شُرَّعٌ , وَلَوْ كَانَ بُقْعَةً مِنْ السَّاحِلِ , أَوْ الْأَرْضِ يَرَى أَنَّهَا تَصْلُحُ لِلْمِلْحِ لاَ يُوجَدُ فِيهَا إلَّا بِصَنْعَةٍ وَذَلِكَ أَنْ يَحْفِرَ تُرَابًا مِنْ أَعْلاَهَا فَيُنَحِّيَ ثُمَّ يُسَرِّبَ إلَيْهَا مَاءً فَيُدْخِلَهَا فَيَظْهَرَ مِلْحُهَا بِذَلِكَ , أَوْ يَحْفِرَ عَنْهَا التُّرَابَ فَيَظْهَرَ فِيهَا مِنْ وَقْتٍ مِنْ الْأَوْقَاتِ مَاءٌ ثُمَّ يَظْهَرَ فِيهَا كَانَ لِلسُّلْطَانِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ أَنْ يَقْطَعَهَا وَلِلرَّجُلِ أَنْ يَعْمُرَهَا ثُمَّ تَكُونَ لَهُ كَمَا تَكُونُ لَهُ الْأَرْضُ بِالزَّرْعِ وَالْبِنَاءِ , وَذَلِكَ أَنَّ هَذَا أَكْثَرُ عِمَارَتِهَا وَأَنَّ هَذَا شَيْءٌ لاَ تَأْتِي مَنْفَعَتُهُ إلَّا بِصَنْعَةٍ , وَفِي وَقْتٍ لَيْسَ بِدَائِمٍ وَحَدِيثُ مَعْمَرٍ { أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَقْطَعَ الْمِلْحَ } فَلَمَّا أُخْبِرَ أَنَّهُ دَائِمٌ كَالْمَاءِ مَنَعَهُ ذَلِكَ , وَهَذَا كَالْأَرْضِ يَقْطَعُهَا فَيَحْفِرَ فِيهَا الْبِئْرَ ; لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ كَانَتْ مَحُولاً دُونَهَا إلَّا بِعَمَلِهِ , وَقَدْ يَعْمَلُ فِيهَا فَتَقِلُّ الْمَنْفَعَةُ وَتَكْثُرُ وَيُخْلِفُ , وَلاَ يُخْلِفُ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : ثُمَّ تُفَرَّقُ الْقَطَائِعُ فِرْقَيْنِ فَتَكُونُ بِمَا وَصَفْت مِمَّا إذَا أَقْطَعَهُ الرَّجُلُ فَأَحْيَاهُ مَلَّكَهُ مِنْ الْأَرْضِ بِالْبِنَاءِ وَالْغِرَاسِ وَالزَّرْعِ وَالْآبَارِ وَالْمِلْحِ وَمَا أَشْبَهَ هَذَا , فَإِذَا مَلَّكَهُ لَمْ يَمْلِكْ أَبَدًا إلَّا عَنْهُ وَهَكَذَا إذَا أَحْيَاهُ وَلَمْ يَقْطَعْهُ ; لِأَنَّ كُلَّ مَنْ أَحْيَا مَوَاتًا فَيَقْطَعُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَحْيَاهُ وَعَطَاءُ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَكْثَرُ مِنْ عَطَاءِ كُلِّ أَحَدٍ بَعْدَهُ مِنْ سُلْطَانٍ وَغَيْرِهِ , ثُمَّ يَكُونُ شَيْءٌ يَقْطَعُهُ الْمَرْءُ فَيَكُونُ لَهُ الِانْتِفَاعُ بِهِ وَمَنْعُهُ مِنْ غَيْرِهِ مَا أَقَامَ فِيهِ أَوْ وَكِيلٍ لَهُ , فَإِذَا فَارَقَهُ لَمْ يَكُنْ مِلْكًا لَهُ , وَلاَ يَكُونُ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ , وَذَلِكَ أَنَّهُ إقْطَاعُ إرْفَاقٍ لاَ تَمْلِيكٍ وَذَلِكَ مِثْلُ الْمَقَاعِدِ بِالْأَسْوَاقِ الَّتِي هِيَ طُرُقُ الْمُسْلِمِينَ كَافَّةً . فَمَنْ قَعَدَ فِي مَوْضِعٍ مِنْهَا لِبَيْعٍ كَانَ أَحَقَّ بِهِ بِقَدْرٍ مَا يُصْلِحُ لَهُ وَمَتَى قَامَ عَنْهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْ غَيْرِهِ , قَالَ : وَهَكَذَا الْقَوْمُ مِنْ الْعَرَبِ يَحِلُّونَ الْمَوْضِعَ مِنْ الْأَرْضِ فِي أَبْنِيَتِهِمْ مِنْ الشَّعْرِ @
الصفحة 82