كتاب الأم للشافعي - ط الوفاء (اسم الجزء: 5)
أَقْطَعُ فُلاَنًا مَعَادِنَ كَذَا عَلَى أَنْ يَعْمَلَ فِيهَا فَمَا رَزَقَ اللَّهُ أَدَّى مَا يَجِبُ عَلَيْهِ فِيمَا يَخْرُجُ مِنْهُ , وَإِذَا عَطَّلَهَا كَانَ لِمَنْ يُحْيِيهَا الْعَمَلُ فِيهَا وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَبِيعَهَا لَهُ قَالَ : وَمِنْ حُجَّةِ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ مِلْكِهَا وَبَيْنَ مِلْكِ الْأَرْضِ أَنْ يَقُولَ لَيْسَ لَهُ بَيْعُهَا , وَلاَ بَيْعُ الْأَرْضِ لاَ مَعْدِنَ فِيهَا , قَالَ : وَمَنْ قَالَ : هَذَا قَالَ وَلَوْ مَلَّكَهُ إيَّاهَا السُّلْطَانُ , وَهُوَ يَعْمَلُهَا مِلْكًا بِكُلِّ حَالٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ إلَّا عَلَى مَا وَصَفْت وَكَانَ هَذَا جَوْرًا مِنْ السُّلْطَانِ يُرَدُّ , وَإِنْ عَمِلَهَا هُوَ بِغَيْرِ عَطَاءٍ مِنْ السُّلْطَانِ كَانَتْ لَهُ حَتَّى يُعَطِّلَهَا , وَمَنْ قَالَ هَذَا أَشْبَهُ أَنْ يَحْتَجَّ بِأَنَّ الرَّجُلَ يَحْفِرَ الْبِئْرَ بِالْبَادِيَةِ فَتَكُونَ لَهُ , فَإِذَا أَوْرَدَ مَاشِيَتَهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَنْعُ فَضْلِ مَائِهَا وَجَعَلَ عَمَلَهُ فِيهَا غَيْرَ إحْيَاءٍ لَهُ جَعَلَهُ مِثْلَ الْمَنْزِلِ يَنْزِلُ بِالْبَادِيَةِ فَلاَ يَكُونُ لِأَحَدٍ أَنْ يُحَوِّلَهُ عَنْهُ , وَإِذَا خَرَجَ مِنْهُ لَمْ يَمْنَعْ مِنْهُ مَنْ يَنْزِلُهُ وَجَعَلَهُ غَيْرَ مَمْلُوكٍ , وَسَوَاءٌ فِي هَذَا مَعْدِنُ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَكُلُّ تِبْرٍ وَغَيْرِهِ مِمَّا يُطْلَبُ بِالْعَمَلِ , وَلاَ يَكُونُ ظَاهِرًا كَظُهُورِ الْمَاءِ وَالْمِلْحِ الظَّاهِرِ , وَأَمَّا مَا كَانَ مِنْ هَذَا ظَاهِرًا مِنْ ذَهَبٍ , أَوْ غَيْرِهِ فَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَقْطَعَهُ , وَلاَ يَمْنَعَهُ وَلِلنَّاسِ أَنْ يَأْخُذُوا مِنْهُ مَا قَدَرُوا عَلَيْهِ , وَكَذَلِكَ الشَّذْرُ يُوجَدُ فِي الْأَرْضِ , وَلَوْ أَنَّ رَجُلاً أَقْطَعَ أَرْضًا فَأَحْيَاهَا بِعِمَارَةِ بِنَاءٍ , أَوْ زَرْعٍ أَوْ غَيْرِهِ فَظَهَرَ فِيهَا مَعْدِنٌ كَانَ يَمْلِكُهُ مَلَكَ الْأَرْضَ وَكَانَ لَهُ مَنْعُهُ كَمَا يَمْنَعُ أَرْضَهُ فِي الْقَوْلَيْنِ مَعًا . وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّ الرَّجُلَ إذَا أُقْطِعَ الْمَعْدِنَ فَعَمِلَ فِيهِ , فَقَدْ مَلَكَهُ مِلْكَ الْأَرْضِ , وَكَذَلِكَ إذَا عَمِلَهُ بِغَيْرِ إقْطَاعٍ , وَمَا قُلْت فِي الْقَوْلَيْنِ مَعًا فِي الْمَعَادِنِ فَإِنَّمَا أَرَدْت بِهَا الْأَرْضَ الْقَفْرَ تَكُونُ أَرْضَ مَعَادِنَ فَيَعْمَلُهَا الرَّجُلُ مَعَادِنَ , وَفِي الْقَوْلِ الْأَوَّلِ يَكُونُ عَمَلُهُ فِيهَا لاَ يُمَلِّكُهُ إيَّاهَا إلَّا مِلْكَ الِاسْتِمْتَاعِ يَمْنَعُهُ مَا كَانَ يَعْمَلُ فِيهِ , فَإِذَا عَطَّلَهُ لَمْ يَمْنَعْهُ غَيْرَهُ , وَفِي الْقَوْلِ الثَّانِي إذَا عَمِلَ فِيهَا فَهُوَ كَإِحْيَاءِ الْأَرْضِ يَمْلِكُهَا أَبَدًا , وَلاَ تُمْلَكُ إلَّا عَنْهُ . ( قَالَ ) وَكُلُّ مَعْدِنٍ عُمِلَ جَاهِلِيًّا ثُمَّ أَرَادَ رَجُلٌ اسْتِقْطَاعَهُ فَفِيهِ أَقَاوِيلُ :@
الصفحة 84