كتاب الأم للشافعي - ط الوفاء (اسم الجزء: 5)
قَالَ الشَّافِعِيُّ : كَانَ الرَّجُلُ الْعَزِيزُ مِنْ الْعَرَبِ إذَا انْتَجَعَ بَلَدًا مُخْصِبًا أَوْفَى بِكَلْبٍ عَلَى جَبَلٍ إنْ كَانَ بِهِ , أَوْ نَشَزَ إنْ لَمْ يَكُنْ جَبَلٌ ثُمَّ اسْتَعْوَاهُ وَوَقَفَ لَهُ مَنْ يَسْمَعُ مُنْتَهَى صَوْتِهِ بِالْعُوَاءِ فَحَيْثُ بَلَغَ صَوْتُهُ حَمَاهُ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ فَيَرْعَى مَعَ الْعَامَّةِ فِيمَا سِوَاهُ وَيَمْنَعُ هَذَا مِنْ غَيْرِهِ لِضُعَفَاءِ سَائِمَتِهِ وَمَا أَرَادَ قَرْنَهُ مَعَهَا فَيَرْعَى مَعَهَا فَنَرَى أَنَّ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ " { لاَ حِمَى إلَّا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ } لاَ حِمَى عَلَى هَذَا الْمَعْنَى الْخَاصِّ وَأَنَّ قَوْلَهُ لِلَّهِ كُلُّ مَحْمِيٍّ وَغَيْرِهِ وَرَسُولِهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إنَّمَا كَانَ يَحْمِي لِصَلاَحِ عَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ لاَ لِمَا يَحْمِي لَهُ غَيْرُهُ مِنْ خَاصَّةِ نَفْسِهِ وَذَلِكَ أَنَّهُ - صلى الله عليه وسلم - لاَ يَمْلِكُ إلَّا مَا لاَ غِنَاءَ بِهِ وَبِعِيَالِهِ عَنْهُ وَمَصْلَحَتِهِمْ حَتَّى يَصِيرَ مَا مَلَّكَهُ اللَّهُ مِنْ خُمْسِ الْخُمْسِ مَرْدُودًا فِي مَصْلَحَتِهِمْ , وَكَذَلِكَ مَالُهُ إذَا حَبَسَ فَوْقَ سَنَتِهِ مَرْدُودًا فِي مَصْلَحَتِهِمْ فِي الْكُرَاعِ وَالسِّلاَحِ عِدَّةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأَنَّ مَالَهُ وَنَفْسَهُ كَانَ مُفْرَغًا لِطَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى فَj وَجَزَاهُ أَفْضَلَ مَا جَزَى بِهِ نَبِيًّا عَنْ أُمَّتِهِ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَالْحِمَى لَيْسَ بِإِحْيَاءِ مَوَاتٍ فَيَكُونُ لِمَنْ أَحْيَاهُ بِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَقَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - { لاَ حِمَى إلَّا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ } يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ لاَ يَكُونَ لِأَحَدٍ أَنْ يَحْمِيَ لِلْمُسْلِمِينَ غَيْرَ مَا حَمَاهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَمَنْ ذَهَبَ هَذَا الْمَذْهَبَ قَالَ : يَحْمِي الْوَالِي كَمَا حَمَى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ الْبِلاَدِ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى مَا حَمَاهَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَلاَ يَكُونُ لِوَالٍ إنْ رَأَى صَلاَحًا لِعَامَّةِ مَنْ حَمَى أَنْ يَحْمِيَ بِحَالٍ شَيْئًا مِنْ بِلاَدِ الْمُسْلِمِينَ @
الصفحة 94