كتاب الأم للشافعي - ط الوفاء (اسم الجزء: 5)
وَالْمَعْنَى الثَّانِي أَنَّ قَوْلَهُ { لاَ حِمًى إلَّا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ } يَحْتَمِلُ لاَ حِمًى إلَّا عَلَى مِثْلِ مَا حَمَى عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَمَنْ ذَهَبَ هَذَا الْمَذْهَبَ قَالَ : لِلْخَلِيفَةِ خَاصَّةً دُونَ الْوُلاَةِ أَنْ يَحْمِيَ عَلَى مِثْلِ مَا حَمَى عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : وَاَلَّذِي عَرَفْنَاهُ نَصًّا وَدَلاَلَةً فِيمَا حَمَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ حَمَى لِنَقِيعٍ وَالنَّقِيعُ بَلَدٌ لَيْسَ بِالْوَاسِعِ الَّذِي إذَا حُمِيَ ضَاقَتْ الْبِلاَدُ بِأَهْلِ الْمَوَاشِي حَوْلَهُ حَتَّى يَدْخُلَ ذَلِكَ الضَّرَرُ عَلَى مَوَاشِيهِمْ , أَوْ أَنْفُسِهِمْ كَانُوا يَجِدُونَ فِيمَا سِوَاهُ مِنْ الْبِلاَدِ سَعَةً لِأَنْفُسِهِمْ وَمَوَاشِيهِمْ وَأَنَّ مَا سِوَاهُ مِمَّا لاَ يُحْمَى أَوْسَعُ مِنْهُ وَأَنَّ النَّجْعَ يُمْكِنُهُمْ فِيهِ وَأَنَّهُ لَوْ تُرِكَ فَكَانَ أَوْسَعَ عَلَيْهِمْ لاَ يَقَعُ مَوْقِعَ ضَرَرٍ بَيِّنٍ عَلَيْهِمْ ; لِأَنَّهُ قَلِيلٌ مِنْ كَثِيرٍ غَيْرِ مُجَاوِزٍ الْقَدْرَ , وَفِيهِ صَلاَحٌ لِعَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ بِأَنْ تَكُونَ الْخَيْلُ الْمُعَدَّةُ لِسَبِيلِ اللَّهِ وَمَا فَضَلَ مِنْ سُهْمَانِ أَهْلِ الصَّدَقَاتِ وَمَا فَضَلَ مِنْ النَّعَمِ الَّتِي تُؤْخَذُ مِنْ أَهْلِ الْجِزْيَةِ تُرْعَى فِيهِ فَأَمَّا الْخَيْلُ فَقُوَّةٌ لِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ , وَأَمَّا نَعَمُ الْجِزْيَةِ فَقُوَّةٌ لِأَهْلِ الْفَيْءِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَمَسْلَكُ سُبُلِ الْخَيْرِ أَنَّهَا لِأَهْلِ الْفَيْءِ الْمُحَامِينَ الْمُجَاهِدِينَ قَالَ : وَأَمَّا الْإِبِلُ الَّتِي تَفْضُلُ عَنْ سُهْمَانِ أَهْلِ الصَّدَقَةِ فَيُعَادُ بِهَا عَلَى أَهْلِ سُهْمَانِ الصَّدَقَةِ لاَ يَبْقَى مُسْلِمٌ إلَّا دَخَلَ عَلَيْهِ مِنْ هَذَا صَلاَحٌ فِي دِينِهِ وَنَفْسِهِ وَمَنْ يَلْزَمُهُ أَمْرُهُ مِنْ قَرِيبٍ , أَوْ عَامَّةٍ مِنْ مُسْتَحَقِّي الْمُسْلِمِينَ فَكَانَ مَا حُمِيَ عَنْ خَاصَّتِهِمْ أَعْظَمُ مَنْفَعَةً لِعَامَّتِهِمْ مِنْ أَهْلِ دِينِهِمْ وَقُوَّةً عَلَى مَنْ خَالَفَ دِينَ اللَّهِ مِنْ عَدُوِّهِمْ وَحَمَى الْقَلِيلَ الَّذِي حَمَى عَنْ عَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَخَوَاصِّ قَرَابَاتِهِمْ الَّذِينَ فَرَضَ اللَّهُ لَهُمْ الْحَقَّ فِي أَمْوَالِهِمْ , وَلَمْ يَحْمِ عَنْهُمْ شَيْئًا مَلَكُوهُ بِحَالٍ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَقَدْ حَمَى مَنْ حَمَى عَلَى هَذَا الْمَعْنَى وَأَمَرَ أَنْ يُدْخِلَ الْحِمَى مَاشِيَةً مِنْ ضَعْفٍ عَنْ النُّجْعَةِ مِمَّنْ حَوْلَ الْحِمَى وَيَمْنَعُ مَاشِيَةً مَنْ قَوِيَ عَلَى النُّجْعَةِ فَيَكُونُ الْحِمَى مَعَ قِلَّةِ ضَرَرِهِ أَعَمَّ مَنْفَعَةً مِنْ أَكْثَرِ مِنْهُ مِمَّا لَمْ يُحْمَ , وَقَدْ حَمَى بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عُمَرَ رضي الله عنه أَرْضًا لَمْ نَعْلَمْ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - حَمَاهَا وَأَمَرَ فِيهَا بِنَحْوٍ مِمَّا وَصَفْت مِنْ أَنَّهُ يَنْبَغِي لِمَنْ حَمَى أَنْ يَأْمُرَ بِهِ . @
الصفحة 95