كتاب الأم للشافعي - ط الوفاء (اسم الجزء: 7)
غَيْرَهُ وَالِاجْتِهَادُ شَيْءٌ يُحْدِثُهُ مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ وَالِاسْتِحْسَانُ يَدْخُلُ عَلَى قَائِلِهِ كَمَا يَدْخُلُ عَلَى مَنْ اجْتَهَدَ عَلَى غَيْرِ كِتَابٍ وَلاَ سُنَّةٍ وَمَنْ قَالَ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ قَالَ قَوْلاً عَظِيمًا لِأَنَّهُ وَضَعَ نَفْسَهُ فِي رَأْيِهِ وَاجْتِهَادِهِ وَاسْتِحْسَانِهِ عَلَى غَيْرِ كِتَابٍ وَلاَ سُنَّةٍ مَوْضِعَهُمَا فِي أَنْ يَتَّبِعَ رَأْيَهُ كَمَا اتَّبَعَا. وَفِي أَنَّ رَأْيَهُ أَصْلٌ ثَالِثٌ أُمِرَ النَّاسُ بِاتِّبَاعِهِ وَهَذَا خِلاَفُ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لِأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إنَّمَا أَمَرَ بِطَاعَتِهِ وَطَاعَةِ رَسُولِهِ وَزَادَ قَائِلُ هَذَا الْقَوْلِ رَأْيًا آخَرَ عَلَى حِيَالِهِ بِغَيْرِ حُجَّةٍ لَهُ فِي كِتَابٍ وَلاَ سُنَّةٍ وَلاَ أَمْرٍ مُجْتَمَعٍ عَلَيْهِ وَلاَ أَثَرٍ فَإِذَا كَانَا مَوْجُودَيْنِ فَهُمَا الْأَصْلاَنِ وَإِذَا لَمْ يَكُونَا مَوْجُودَيْنِ فَالْقِيَاسُ عَلَيْهِمَا لاَ عَلَى غَيْرِهِمَا. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَأَيْنَ هَذَا قِيلَ مِثْلُ الْكَعْبَةِ مَنْ رَآهَا صَلَّى إلَيْهَا وَمَنْ غَابَ عَنْهَا تَوَجَّهَ إلَيْهَا بِالدَّلاَئِلِ عَلَيْهَا لِأَنَّهَا الْأَصْلُ فَإِنْ صَلَّى غَائِبًا عَنْهَا بِرَأْيِ نَفْسِهِ بِغَيْرِ اجْتِهَادٍ بِالدَّلاَئِلِ عَلَيْهَا كَانَ مُخْطِئًا وَكَانَتْ عَلَيْهِ الْإِعَادَةُ , وَكَذَلِكَ الِاجْتِهَادُ فَمَنْ اجْتَهَدَ عَلَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فَذَلِكَ. وَمَنْ اجْتَهَدَ عَلَى غَيْرِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ كَانَ مُخْطِئًا. وَمِثْلُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ? فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَمِ ? وَالْمِثْلُ لِلْمَقْتُولِ وَقَدْ يَكُونُ غَائِبًا فَإِنَّمَا يَجْتَهِدُ عَلَى أَصْلِ الصَّيْدِ الْمَقْتُولِ فَيَنْظُرُ إلَى أَقْرَبِ الْأَشْيَاءِ بِهِ شَبَهًا فَيُهْدِيه. وَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يُبِحْ الِاجْتِهَادَ إلَّا عَلَى الْأُصُولِ لِأَنَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إنَّمَا أَمَرَ بِمِثْلِ مَا قَتَلَ فَأَمَرَ بِالْمِثْلِ عَلَى الْأَصْلِ لَيْسَ عَلَى غَيْرِ أَصْلٍ. وَمِثْلُ أَذَانِ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَكَانَ رَجُلاً أَعْمَى لاَ@
الصفحة 497