كتاب الأم للشافعي - ط الوفاء (اسم الجزء: 7)
لَقَدْ حَضَرْت رَجُلاً صَالِحًا يَجْرَحُ رَجُلاً مُسْتَهِلًّا بِجَرْحِهِ فَأَلَحَّ عَلَيْهِ بِأَيِّ شَيْءٍ تَجْرَحُهُ ؟ فَقَالَ مَا يَخْفَى عَلَى مَا تَكُونُ الشَّهَادَةُ بِهِ مَجْرُوحَةً فَلَمَّا قَالَ لَهُ الَّذِي يَسْأَلُهُ عَنْ الشَّهَادَةِ لَسْت أَقْبَلُ هَذَا مِنْك إلَّا أَنْ تُبَيِّنَ قَالَ رَأَيْته يَبُولُ قَائِمًا قَالَ وَمَا بَأْسَ بِأَنْ يَبُولَ قَائِمًا ؟ قَالَ يَنْضَحُ عَلَى سَاقَيْهِ وَرِجْلَيْهِ وَثِيَابِهِ ثُمَّ يُصَلِّي قَبْلَ أَنْ يُنْقِيَهُ قَالَ أَفَرَأَيْته فَعَلَ فَصَلَّى قَبْلَ أَنْ يُنْقِيَهُ وَقَدْ نَضَحَ عَلَيْهِ ؟ قَالَ لاَ وَلَكِنِّي أَرَاهُ سَيَفْعَلُ . وَهَذَا الضَّرْبُ كَثِيرٌ فِي الْعَالِمِينَ وَالْجَرْحُ خَفِيٌّ فَلاَ يُقْبَلُ لِخَفَائِهِ وَلِمَا وَصَفْت مِنْ الِاخْتِلاَفِ إلَّا بِتَصْرِيحِ الْجَارِحِ وَلاَ يُقْبَلُ التَّعْدِيلُ إلَّا بِأَنْ يُوقِفَهُ الْمُعَدِّلُ عَلَيْهِ فَيَقُولَ عَدْلٌ عَلَيَّ وَلِي ثُمَّ لاَ يَقْبَلُ ذَلِكَ هَكَذَا حَتَّى يَسْأَلَهُ عَنْ مَعْرِفَتِهِ بِهِ فَإِنْ كَانَتْ مَعْرِفَتُهُ بِهِ بَاطِنَةً مُتَقَادِمَةً قُبِلَ ذَلِكَ مِنْهُ وَإِنْ كَانَتْ مَعْرِفَتُهُ بِهِ ظَاهِرَةً حَادِثَةً لَمْ يُقْبَلْ ذَلِكَ مِنْهُ .
مَا تَجُوزُ بِهِ شَهَادَةُ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ
قَالَ الشَّافِعِيُّ : رحمه الله تعالى ذَهَبَ النَّاسُ مِنْ تَأْوِيلِ الْقُرْآنِ وَالْأَحَادِيثِ أَوْ مَنْ ذَهَبَ مِنْهُمْ إلَى أُمُورٍ اخْتَلَفُوا فِيهَا فَتَبَايَنُوا فِيهَا تَبَايُنًا شَدِيدًا وَاسْتَحَلَّ فِيهَا بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ مَا تَطُولُ حِكَايَتُهُ وَكَانَ ذَلِكَ مِنْهُمْ مُتَقَادِمًا مِنْهُ مَا كَانَ فِي عَهْدِ السَّلَفِ وَبَعْدِهِمْ إلَى الْيَوْمِ فَلَمْ نَعْلَمْ أَحَدًا مِنْ سَلَفِ هَذِهِ الْأُمَّةِ يُقْتَدَى بِهِ وَلاَ مِنْ التَّابِعِينَ بَعْدَهُمْ رَدَّ شَهَادَةَ أَحَدٍ بِتَأْوِيلٍ وَإِنْ خَطَّأَهُ وَضَلَّلَهُ وَرَآهُ اسْتَحَلَّ فِيهِ مَا حُرِّمَ عَلَيْهِ وَلاَ رَدَّ شَهَادَةَ أَحَدٍ بِشَيْءٍ مِنْ التَّأْوِيلِ كَانَ لَهُ وَجْهٌ يَحْتَمِلُهُ وَإِنْ بَلَغَ فِيهِ اسْتِحْلاَلَ الدَّمِ وَالْمَالِ أَوْ الْمُفَرِّطِ مِنْ الْقَوْلِ وَذَلِكَ أَنَّا وَجَدْنَا الدِّمَاءَ أَعْظَمَ مَا يُعْصَى اللَّهُ تَعَالَى بِهَا بَعْدَ الشِّرْكِ وَوَجَدْنَا مُتَأَوِّلِينَ يَسْتَحِلُّونَهَا بِوُجُوهٍ وَقَدْ رَغَّبَ لَهُمْ نُظَرَاؤُهُمْ عَنْهَا وَخَالَفُوهُمْ فِيهَا وَلَمْ يَرُدُّوا شَهَادَتَهُمْ بِمَا رَأَوْا مِنْ خِلاَفِهِمْ فَكُلُّ مُسْتَحِلٍّ بِتَأْوِيلٍ مِنْ قَوْلٍ أَوْ غَيْرِهِ فَشَهَادَتُهُ مَاضِيَةٌ لاَ تُرَدُّ مِنْ خَطَأٍ@
الصفحة 509