كتاب الأم للشافعي - ط الوفاء (اسم الجزء: 7)

أَنَّ السُّكْرَ مُحَرَّمٌ عِنْدَ جَمِيعِ أَهْلِ الْإِسْلاَمِ إلَّا أَنَّهُ قَدْ حُكِيَ لِي عَنْ فِرْقَةٍ أَنَّهَا لاَ تُحَرِّمُهُ وَلَيْسَتْ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فَإِذَا كَانَ الرَّجُلُ الْمُسْتَحِلُّ لِلْأَنْبِذَةِ يَحْضُرُهَا مَعَ أَهْلِ السَّفَهِ الظَّاهِرِ وَيَتْرُكُ لَهَا الْحُضُورَ لِلصَّلَوَاتِ وَغَيْرِهَا وَيُنَادِمُ عَلَيْهَا رُدَّتْ شَهَادَتُهُ بِطَرْحِهِ الْمُرُوءَةَ وَإِظْهَارِهِ السَّفَهَ , وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مَعَهَا لَمْ تُرَدَّ شَهَادَتُهُ مِنْ قِبَلِ الِاسْتِحْلاَلِ .
شَهَادَةُ أَهْلِ الْعَصَبِيَّةِ
قَالَ الشَّافِعِيُّ : رحمه الله تعالى مَنْ أَظْهَرَ الْعَصَبِيَّةَ بِالْكَلاَمِ فَدَعَا إلَيْهَا وَتَأَلَّفَ عَلَيْهَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ يُشْهِرُ نَفْسَهُ بِقِتَالٍ فِيهَا فَهُوَ مَرْدُودُ الشَّهَادَةِ لِأَنَّهُ أَتَى مُحَرَّمًا لاَ اخْتِلاَفَ بَيْنَ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ عَلِمَتْهُ فِيهِ النَّاسُ كُلُّهُمْ عِبَادُ اللَّهِ تَعَالَى لاَ يَخْرُجُ أَحَدٌ مِنْهُمْ مِنْ عُبُودِيَّتِهِ وَأَحَقُّهُمْ بِالْمَحَبَّةِ أَطْوَعُهُمْ لَهُ وَأَحَقُّهُمْ مِنْ أَهْلِ طَاعَتِهِ بِالْفَضِيلَةِ أَنْفَعُهُمْ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ إمَامٍ عَدْلٍ أَوْ عَالِمٍ مُجْتَهِدٍ أَوْ مُعِينٍ لِعَامَّتِهِمْ وَخَاصَّتِهِمْ وَذَلِكَ أَنَّ طَاعَةَ هَؤُلاَءِ طَاعَةٌ عَامَّةٌ كَثِيرَةٌ فَكَثِيرُ الطَّاعَةِ خَيْرٌ مِنْ قَلِيلِهَا وَقَدْ جَمَعَ اللَّهُ تَعَالَى النَّاسَ بِالْإِسْلاَمِ وَنَسَبَهُمْ إلَيْهِ فَهُوَ أَشْرَفُ أَنْسَابِهِمْ . ( قَالَ ) فَإِنْ أَحَبَّ امْرُؤٌ فَلْيُحِبَّ عَلَيْهِ وَإِنْ خَصَّ امْرُؤٌ قَوْمَهُ بِالْمَحَبَّةِ مَا لَمْ يَحْمِلْ عَلَى غَيْرِهِمْ مَا لَيْسَ يَحِلُّ لَهُ فَهَذَا صِلَةٌ لَيْسَتْ بِعَصَبِيَّةٍ وَقَلَّ امْرُؤٌ إلَّا وَفِيهِ مَحْبُوبٌ وَمَكْرُوهٌ فَالْمَكْرُوهُ فِي مَحَبَّةِ الرَّجُلِ مَنْ هُوَ مِنْهُ أَنْ يَحْمِلَ عَلَى غَيْرِهِ مَا حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ مِنْ الْبَغْيِ وَالطَّعْنِ فِي النَّسَبِ وَالْعَصَبِيَّةِ وَالْبِغْضَةِ عَلَى النَّسَبِ لاَ عَلَى مَعْصِيَةِ اللَّهِ وَلاَ عَلَى جِنَايَةٍ مِنْ الْمُبْغِضِ عَلَى الْمُبْغَضِ وَلَكِنْ بِقَوْلِهِ أَبْغَضُهُ لِأَنَّهُ مِنْ بَنِي فُلاَنٍ فَهَذِهِ الْعَصَبِيَّةُ الْمَحْضَةُ الَّتِي تُرَدُّ بِهَا الشَّهَادَةُ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ مَا الْحُجَّةُ فِي هَذَا ؟ قِيلَ لَهُ : قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : : ? إنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إخْوَةٌ ? @

الصفحة 512