كتاب الأم للشافعي - ط الوفاء (اسم الجزء: 8)

حَقَّهُ بِغَيْرِ يَمِينٍ , قُلْت لَهُ : فَهَذِهِ إذًا سُنَّةٌ لِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أُخْرَى خَالَفْتهَا ; لِأَنَّهُ إنْ كَانَ قَضَى بِشَهَادَةِ خُزَيْمَةَ وَهُوَ يَقُومُ مَقَامَ شَاهِدَيْنِ فَقَدْ أَحْلَفَ مَعَ شَاهِدَيْنِ وَإِنْ كَانَ قَضَى بِشَهَادَةِ خُزَيْمَةَ وَهُوَ كَشَاهِدَيْنِ فِيمَا رَوَيْنَا عَنْهُ فَقَدْ قَضَى قَضِيَّتَيْنِ خَالَفْتهمَا مَعًا . قَالَ فَلَعَلَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - إنَّمَا قَضَى بِالْيَمِينِ أَنَّهُ عَلِمَ أَنَّ حَقَّ الطَّالِبِ حَقٌّ فَقُلْت لَهُ : أَفَيَجُوزُ فِي جَمِيعِ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قَضَى فِيهِ بِقَضِيَّةٍ إمَّا بِإِقْرَارٍ مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ , أَوْ بِبَيِّنَةِ الْمُدَّعِي أَنْ يُقَالَ لَعَلَّهُ إنَّمَا قَضَى بِهِ أَنَّهُ عَلِمَ أَنَّ مَا أَقَرَّ بِهِ الْمُقِرُّ , أَوْ مَا قَامَتْ بِهِ الْبَيِّنَةُ حَقٌّ فَلاَ يَجُوزُ لِأَحَدٍ بَعْدَهُ أَنْ يَقْضِيَ بِبَيِّنَةٍ وَلاَ بِإِقْرَارٍ ; لِأَنَّ أَحَدًا بَعْدَهُ لاَ يَعْلَمُ صِدْقَ الْبَيِّنَةِ وَلاَ الْمُقِرِّ ; لِأَنَّ هَذَا لاَ يُعْلَمُ إلَّا مِنْ جِهَةِ الْوَحْيِ , وَالْوَحْيُ قَدْ انْقَطَعَ بَعْدَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : لاَ , قُلْت : وَمَا قَضَى بِهِ عَلَى مَا قَضَى بِهِ وَلاَ يَبْطُلُ بِلَعَلَّ ؟ قَالَ نَعَمْ , قُلْت : فَلِمَ أَرَدْت إبْطَالَ الْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ بِلَعَلَّ ؟ وَقُلْت لَهُ : وَأُكَلِّمُك عَلَى لَعَلَّ أَفَرَأَيْت لَوْ جَاءَك رَجُلٌ يَدَّعِي عَلَى رَجُلٍ أَلْفًا فَعَلِمْت أَنَّهَا عَلَيْهِ ثَابِتَةٌ هَلْ تَعْدُو مِنْ أَنْ تَكُونَ مِمَّنْ يَقْضِي بِعِلْمِهِ فَتَأْخُذَهَا لَهُ مِنْهُ وَلاَ تُكَلِّفَهُ شَاهِدًا وَلاَ يَمِينًا , أَوْ مِمَّنْ لاَ يَأْخُذُ بِعِلْمِهِ فَلاَ تُعْطِيه إيَّاهَا إلَّا بِشَاهِدَيْنِ سِوَاك ؟ قَالَ مَا أَعْدُو هَذَا , قُلْت لَهُ : فَلَوْ كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - قَضَى بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ عَلِمَ أَنَّ مَا ادَّعَى الْمُدَّعِي حَقٌّ كُنْت خَالَفْته ؟ قَالَ فَلَعَلَّ الْمَطْلُوبَ رَضِيَ بِيَمِينِ الطَّالِبِ . قُلْت : وَقَدْ عُدْت إلَى لَعَلَّ , وَقُلْت : أَرَأَيْت لَوْ جَاءَك خَصْمَانِ فَرَضِيَ الْمَطْلُوبُ بِيَمِينِ الطَّالِبِ أَكُنْت تُكَلِّفُهُ شَاهِدًا وَتُحَلِّفُهُ ؟ قَالَ : لاَ , قُلْت : وَلَوْ حَلَفَ مَعَ شَاهِدِهِ , وَالْمَطْلُوبُ يَرْضَى بِيَمِينِهِ لَمْ تُعْطِهِ شَيْئًا قَالَ لاَ أُعْطِيه بِيَمِينِهِ مَعَ شَاهِدِهِ شَيْئًا وَلَكِنْ إنْ أَقَرَّ بِحَقِّهِ أَعْطَيْته . قُلْت : أَنْتَ تُعْطِيه إذَا أَقَرَّ وَلاَ تُحَلِّفُ الطَّالِبَ ؟ قَالَ نَعَمْ , قُلْت : فَهَذِهِ سُنَّةٌ أُخْرَى إنْ كَانَتْ كَمَا قُلْت خَالَفْتهَا . قَالَ فَمَا تَقُولُ أَنْتَ فِي أَحْكَامِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ؟ قُلْت : عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَحْكُمُوا بِهَا كَمَا حَكَمَ , وَكَذَلِكَ أَلْزَمَهُمْ اللَّهُ . قَالَ فَلَعَلَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ @

الصفحة 24