كتاب الأم للشافعي - ط الوفاء (اسم الجزء: 8)
يَحْكُمُ مِنْ جِهَةِ الْوَحْيِ , قُلْت : فَمَا حَكَمَ بِهِ مِنْ جِهَةِ الْوَحْيِ فَقَدْ بَيَّنَهُ , وَذَلِكَ مِثْلُ مَا أَحَلَّ لِلنَّاسِ وَحَرَّمَ وَمَا حَكَمَ بِهِ بَيْنَ النَّاسِ بِالْبَيِّنَةِ فَعَلَى الظَّاهِرِ حَكَمَ بِهِ ؟ قَالَ فَمَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ ؟ قُلْت : أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : ? إنَّمَا أَنَا بَشَرٌ تَخْتَصِمُونَ إلَيَّ فَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ , فَأَقْضِي لَهُ عَلَى نَحْوِ مَا أَسْمَعُ مِنْهُ , فَمَنْ قَضَيْت لَهُ بِشَيْءٍ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ فَلاَ يَأْخُذْنَهُ فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنْ النَّارِ ?
قَالَ الشَّافِعِيُّ : رحمه الله تعالى قُلْت لَهُ : فَقَدْ أَعْلَمَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - النَّاسَ أَنَّهُ إنَّمَا يَقْضِي بَيْنَهُمْ بِمَا يَظْهَرُ لَهُ وَأَنَّ اللَّهَ وَلِيَ مَا غَابَ عَنْهُ وَلْيَسْتَنَّ بِهِ الْمُسْلِمُونَ فَيَحْكُمُوا عَلَى مَا يَظْهَرُ لَهُمْ ; لِأَنَّ أَحَدًا بَعْدَهُ مِنْ وُلاَةِ الْمُسْلِمِينَ لاَ يَعْرِفُ صِدْقَ الشَّاهِدِ أَبَدًا إنَّمَا يَحْكُمُ عَلَى الظَّاهِرِ , وَقَدْ يُمْكِنُ فِي الشُّهُودِ الْكَذِبُ , وَالْغَلَطُ , وَلَوْ كَانَ الْقَضَاءُ لاَ يَكُونُ إلَّا مِنْ جِهَةِ الْوَحْيِ لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ يَقْضِي بَعْدَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ; لِأَنَّ أَحَدًا لاَ يَعْرِفُ الْبَاطِنَ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ إذَا حَلَّفْتُمْ الْحُرَّ مَعَ شَاهِدِهِ فَكَيْفَ أَحَلَفْتُمْ الْمَمْلُوكَ , وَالْكَافِرَ الَّذِي لاَ شَهَادَةَ لَهُ ؟ قُلْت : أَرَأَيْت الْحُرَّ الْعَدْلَ إذَا شَهِدَ لِنَفْسِهِ أَتَجُوزُ شَهَادَتُهُ ؟ قَالَ لاَ , قُلْت : وَلَوْ جَازَتْ شَهَادَتُهُ أُحْلِفَ عَلَى شَهَادَتِهِ ؟ قَالَ لاَ , قُلْت : فَكَيْفَ تَوَهَّمْت أَنَّا جَعَلْنَاهُ شَاهِدًا لِنَفْسِهِ ؟ قَالَ ; لِأَنَّكُمْ أَعْطَيْتُمُوهُ بِيَمِينِهِ فَقَامَتْ مَقَامَ شَاهِدٍ , فَقُلْت لَهُ : أَعْطَيْنَاهُ بِمَا قَضَى بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهِيَ وَإِنْ أُعْطِيَ بِهَا كَمَا يُعْطَى بِشَاهِدٍ فَلَيْسَ مَعْنَاهَا مَعْنَى الشَّهَادَةِ , قَالَ وَهَلْ تَجِدُ عَلَى مَا تَقُولُ دَلاَلَةً ؟ قُلْت نَعَمْ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى , قُلْت لَهُ : أَرَأَيْت إنْ ادَّعَى عَلَيْهِ حَقًّا فَجَاءَ بِشَاهِدَيْنِ يَشْهَدَانِ لَهُ بِالْبَرَاءَةِ مِمَّا@
الصفحة 25