كتاب الأم للشافعي - ط الوفاء (اسم الجزء: 9)

يَقُولَ قَائِلٌ تَعْقِلُ الْعَاقِلَةُ الثُّلُثَ وَلاَ تَعْقِلُ دُونَهُ أَفَرَأَيْت إنْ قَالَ لَهُ إنْسَانٌ تَعْقِلُ التِّسْعَةَ الْأَعْشَارِ أَوْ الثُّلُثَيْنِ أَوْ النِّصْفَ وَلاَ تَعْقِلُ دُونَهُ فَمَا حُجَّتُهُ عَلَيْهِ ؟ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَهَلْ مِنْ خَبَرٍ يَدُلُّ عَلَى مَا وَصَفْت ؟ قِيلَ نَعَمْ قَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي الْجَنِينِ بِغُرَّةٍ وَقَضَى بِهِ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَذَلِكَ نِصْفُ عُشْرِ الدِّيَةِ وَحَدِيثُهُ فِي أَنَّهُ قَضَى فِي الْجَنِينِ عَلَى الْعَاقِلَةِ أَثْبَتُ إسْنَادًا مِنْ أَنَّهُ قَضَى بِالدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ , وَإِذَا قَضَى بِالدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ حِينَ كَانَتْ دِيَةً وَنِصْفَ عُشْرِ الدِّيَةِ لِأَنَّهُمَا مَعًا مِنْ الْخَطَأِ فَكَذَلِكَ يَقْضِي بِكُلِّ خَطَأٍ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَإِنْ كَانَ دِرْهَمًا وَاحِدًا . وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رضي الله عنه يَقْضِي عَلَيْهِمْ بِنِصْفِ عُشْرِ الدِّيَةِ وَلاَ يَقْضِي عَلَيْهِمْ بِمَا دُونَهُ وَيَلْزَمُهُ فِي هَذَا مِثْلَ مَا لَزِمَ مَنْ قَالَ يَقْضِي عَلَيْهِمْ بِثُلُثِ الدِّيَةِ وَلاَ يَقْضِي عَلَيْهِمْ بِمَا دُونَهُ . فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَإِنَّهُ قَدْ احْتَجَّ بِأَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَضَى بِنِصْفِ عُشْرِ الدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَأَنَّهُ لاَ يُحْفَظُ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قَضَى فِيمَا دُونَ نِصْفِ الْعُشْرِ بِشَيْءٍ قِيلَ لَهُ فَإِنْ كُنْت إنَّمَا اتَّبَعْت الْخَبَرَ فَقُلْت اجْعَلْ الْجِنَايَاتِ عَلَى جَانِيهَا إلَّا مَا كَانَ فِيهِ خَبَرٌ لَزِمَك لِأَحَدٍ إنْ عَارَضَك أَنْ تَقُولَ وَإِذَا جَنَى جَانٍ مَا فِيهِ دِيَةٌ أَوْ مَا فِيهِ نِصْفُ عُشْرِ الدِّيَةِ فَهِيَ عَلَى عَاقِلَتِهِ , وَإِذَا جَنَى مَا هُوَ أَقَلُّ مِنْ دِيَةٍ وَأَكْثَرُ مِنْ نِصْفِ عُشْرِ دِيَةِ فَفِي مَالِهِ حَتَّى تَكُونَ امْتَنَعَتْ مِنْ الْقِيَاسِ عَلَيْهِ وَرَدَدْت مَا لَيْسَ فِيهِ خَبَرٌ نُصَّ إلَى الْأَصْلِ مِنْ أَنْ تَكُونَ الْجِنَايَةُ عَلَى جَانِيهَا وَإِنْ رَدَدْت الْقِيَاسَ عَلَيْهِ فَلاَ بُدَّ مِنْ وَاحِدٍ مِنْ وَجْهَيْنِ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إذْ لَمْ يَقْضِ فِيمَا دُونَ الْمُوضِحَةِ بِشَيْءٍ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ هَدْرًا لاَ عَقْلَ فِيهِ وَلاَ قَوَدَ كَمَا تَكُونُ اللَّطْمَةُ وَاللَّكْزَةُ أَوْ يَكُونُ إذَا جَنَى جِنَايَةً اجْتَهَدْت فِيهَا الرَّأْيَ فَقَضَيْت فِيهَا بِالْعَقْلِ قِيَاسًا عَلَى الَّذِي قَضَى فِيهِ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ الْجِنَايَاتِ فَإِذَا كَانَ حَقٌّ أَنْ يَقْضِيَ فِي الْجِنَايَاتِ فِيمَا @

الصفحة 148