كتاب الأم للشافعي - ط الوفاء (اسم الجزء: 9)

فَآذِنِينِي فَلَمَّا حَلَّتْ مِنْ عِدَّتِهَا أَخْبَرَتْهُ أَنَّ مُعَاوِيَةَ وَأَبَا جَهْمٍ خَطَبَاهَا فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَمَّا مُعَاوِيَةُ فَصُعْلُوكٌ لاَ مَالَ لَهُ وَأَمَّا أَبُو جَهْمٍ فَلاَ يَضَعُ عَصَاهُ عَنْ عَاتِقِهِ وَلَكِنْ انْكِحِي أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ قَالَتْ فَكَرِهْته فَقَالَ انْكِحِي أُسَامَةَ فَنَكَحْته فَجَعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا وَاغْتَبَطْت بِهِ ? اسْتَدْلَلْنَا عَلَى أَنَّهُ لاَ يَنْهَى عَنْ الْخِطْبَةِ وَيَخْطُبُ عَلَى خِطْبَةٍ إلَّا وَنَهْيُهُ عَنْ الْخِطْبَةِ حِينَ تَرْضَى الْمَرْأَةُ فَلاَ يَكُونُ بَقِيَ إلَّا الْعَقْدُ فَيَكُونُ إذَا خَطَبَ أَفْسَدَ ذَلِكَ عَلَى الْخَاطِبِ الْمَرَضِيِّ أَوْ عَلَيْهَا أَوْ عَلَيْهِمَا مَعًا وَقَدْ يُمْكِنُ أَنْ يُفْسِدَ ذَلِكَ عَلَيْهِمَا , ثُمَّ لاَ يُتِمَّ مَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْخَاطِبِ وَلَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ أَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا رَضِيَتْ وَاحِدًا مِنْهُمَا لَمْ يَخْطُبْهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى أُسَامَةَ وَلَكِنَّهَا أَخْبَرَتْهُ بِالْخِطْبَةِ وَاسْتَشَارَتْهُ فَكَانَ فِي حَدِيثِهَا دَلاَلَةٌ عَلَى أَنَّهَا لَمْ تَرْضَ وَلَمْ تَرُدَّ فَإِذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ بِهَذِهِ الْحَالِ جَازَ أَنْ تُخْطَبَ وَإِذَا رَضِيَتْ الْمَرْأَةُ الرَّجُلَ وَبَدَا لَهَا وَأُمِرَتْ بِأَنْ تَنْكِحَهُ لَمْ يَجُزْ أَنْ تَخْطُبَ فِي الْحَالِ الَّتِي لَوْ زَوَّجَهَا فِيهَا الْوَلِيُّ جَازَ نِكَاحُهُ , فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَإِنَّ حَالَهَا إذَا كَانَتْ بَعْدَ أَنْ تَرْكَنَ بِنَعَمْ مُخَالِفَةٌ حَالَهَا بَعْدَ الْخِطْبَةِ وَقَبْلَ أَنْ تَرْكَنَ فَكَذَلِكَ حَالُهَا حِينَ خُطِبَتْ قَبْلَ الرُّكُونِ مُخَالِفَةٌ حَالَهَا قَبْلَ أَنْ تَخْطُبَ , وَكَذَلِكَ إذَا أُعِيدَتْ عَلَيْهَا الْخِطْبَةُ وَقَدْ كَانَتْ امْتَنَعَتْ فَسَكَتَتْ وَالسُّكَاتُ قَدْ لاَ يَكُونُ رِضًا فَلَيْسَ هَهُنَا قَوْلٌ يَجُوزُ عِنْدِي أَنْ يُقَالَ إلَّا مَا ذَكَرْت بِالِاسْتِدْلاَلِ وَلَوْلاَ الدَّلاَلَةُ بِالسُّنَّةِ كَانَتْ إذَا خُطِبَتْ حُرِّمَتْ عَلَى غَيْرِ خَاطِبِهَا الْأَوَّلِ أَنْ يَخْطُبَهَا حَتَّى يَتْرُكَهَا الْخَاطِبُ الْأَوَّلُ , ثُمَّ يَتَفَرَّقُ نَهْيُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى وَجْهَيْنِ فَكُلُّ مَا نَهَى عَنْهُ مِمَّا كَانَ مَمْنُوعًا إلَّا بِحَادِثٍ يَحْدُثُ فِيهِ يُحِلُّهُ فَأَحْدَثَ الرَّجُلُ فِيهِ حَادِثًا مَنْهِيًّا عَنْهُ لَمْ يُحِلَّهُ وَكَانَ عَلَى أَصْلِ تَحْرِيمِهِ إذَا لَمْ يَأْتِ مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي يُحِلُّهُ وَذَلِكَ مِثْلُ أَنَّ أَمْوَالَ النَّاسِ مَمْنُوعَةٌ مِنْ غَيْرِهِمْ وَأَنَّ النِّسَاءَ مَمْنُوعَاتٌ مِنْ الرِّجَالِ إلَّا بِأَنْ يَمْلِكَ الرَّجُلُ مَالَ الرَّجُلِ بِمَا يَحِلُّ مِنْ بَيْعِ أَوْ هِبَةٍ @

الصفحة 53