كتاب الأم للشافعي - ط الوفاء (اسم الجزء: 9)

لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ أَلْبَتَّةَ أَنَّهُ يُعْقَلُ أَنَّهُ قَدْ أَوْقَعَ الطَّلاَقَ بِقَوْلِهِ طَالِقٌ وَأَنَّ أَلْبَتَّةَ إرَادَةُ شَيْءٍ غَيْرِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ أَرَادَ الْإِبْتَاتَ بِثَلاَثٍ وَلَكِنَّهُ لَمَّا كَانَ ظَاهِرًا فِي قَوْلِهِ وَاحْتَمَلَ غَيْرَهُ لَمْ يَحْكُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إلَّا بِظَاهِرِ الطَّلاَقِ وَذَلِكَ وَاحِدَةٌ
قَالَ الشَّافِعِيُّ : فَمَنْ حَكَمَ عَلَى النَّاسِ بِخِلاَفِ مَا ظَهَرَ عَلَيْهِمْ اسْتِدْلاَلاً عَلَى أَنَّ مَا أَظْهَرُوا يَحْتَمِلُ غَيْرَ مَا أَظْهَرُوا بِدَلاَلَةٍ مِنْهُمْ أَوْ غَيْرِ دَلاَلَةٍ لَمْ يَسْلَمْ عِنْدِي مِنْ خِلاَفِ التَّنْزِيلِ وَالسُّنَّةِ وَذَلِكَ أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ مَنْ رَجَعَ عَنْ الْإِسْلاَمِ مِمَّنْ وُلِدَ عَلَى الْإِسْلاَمِ قَتَلْته وَلَمْ أَسْتَتِبْهُ وَمَنْ رَجَعَ عَنْهُ مِمَّنْ لَمْ يُولَدْ عَلَى الْإِسْلاَمِ اسْتَتَبْته وَلَمْ يَحْكُمْ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى عِبَادِهِ إلَّا حُكْمًا وَاحِدًا مِثْلُ أَنْ يَقُولَ مَنْ رَجَعَ عَنْ الْإِسْلاَمِ مِمَّنْ أَظْهَرَ نَصْرَانِيَّةً أَوْ يَهُودِيَّةً أَوْ دِينًا يُظْهِرُ كَالْمَجُوسِيَّةِ اسْتَتَبْته , فَإِنْ أَظْهَرَ التَّوْبَةَ قُبِلَتْ مِنْهُ وَمَنْ رَجَعَ إلَى دِينٍ يُخْفِيهِ لَمْ أَسْتَتِبْهُ
قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَكُلٌّ قَدْ بَدَّلَ دِينَهُ دِينَ الْحَقِّ وَرَجَعَ إلَى الْكُفْرِ فَكَيْفَ يُسْتَتَابُ بَعْضُهُمْ وَلاَ يُسْتَتَابُ بَعْضٌ وَكُلٌّ بَاطِلٌ , فَإِنْ قَالَ لاَ أَعْرِفُ تَوْبَةَ الَّذِي يُسِرُّ دِينَهُ . قِيلَ وَلاَ يَعْرِفُهَا إلَّا اللَّهُ وَهَذَا مَعَ خِلاَفِهِ حُكْمَ اللَّهِ ثُمَّ رَسُولِهِ كَلاَمٌ مُحَالٌ يُسْأَلُ مَنْ قَالَ هَذَا هَلْ تَدْرِي لَعَلَّ الَّذِي كَانَ أَخْفَى الشِّرْكَ يَصْدُقُ بِالتَّوْبَةِ وَاَلَّذِي كَانَ أَظْهَرَ الشِّرْكَ يَكْذِبُ بِالتَّوْبَةِ ؟ , فَإِنْ قَالَ نَعَمْ قِيلَ فَتَدْرِي لَعَلَّك قَتَلْت الْمُؤْمِنَ الصَّادِقَ بِالْإِيمَانِ وَاسْتَحْيَيْت الْكَاذِبَ بِإِظْهَارِ الْإِيمَانِ , فَإِنْ قَالَ لَيْسَ عَلَيَّ إلَّا الظَّاهِرُ قِيلَ فَالظَّاهِرُ فِيهِمَا وَاحِدٌ وَقَدْ جَعَلْته اثْنَيْنِ بِعِلَّةٍ مُحَالَةٍ وَالْمُنَافِقُونَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لَمْ يُظْهِرُوا يَهُودِيَّةً وَلاَ نَصْرَانِيَّةً وَلاَ مَجُوسِيَّةً بَلْ كَانُوا يَسْتَسِرُّونَ بِدِينِهِمْ فَيَقْبَلُ مِنْهُمْ مَا يُظْهِرُونَ مِنْ الْإِيمَانِ فَلَوْ كَانَ قَائِلُ هَذَا الْقَوْلِ حِينَ خَالَفَ السُّنَّةَ أَحْسَنَ أَنْ يَعْتَلَّ بِشَيْءٍ لَهُ وَجْهٌ وَلَكِنَّهُ يُخَالِفُهَا وَيَعْتَلُّ بِمَا@

الصفحة 65