كتاب الأم للشافعي - ط الوفاء (اسم الجزء: 9)

قَوْلِ جَمَاعَتِهِمْ وَكَانَ مَعْقُولاً أَنَّ جَمَاعَتَهُمْ لاَ تَجْهَلُ كُلُّهَا حُكْمًا لِلَّهِ وَلاَ لِرَسُولِهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَنَّ الْجَهْلَ لاَ يَكُونُ إلَّا فِي خَاصٍّ وَأَمَّا مَا اجْتَمَعُوا عَلَيْهِ فَلاَ يَكُونُ فِيهِ الْجَهْلُ فَمَنْ قَبِلَ قَوْلَ جَمَاعَتِهِمْ فَبِدَلاَلَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَبْلَ قَوْلِهِمْ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : رحمه الله وَإِنْ قَالَ قَائِلٌ أَرَأَيْت مَا لَمْ يَمْضِ فِيهِ كِتَابٌ وَلاَ سُنَّةٌ وَلاَ يُوجَدُ النَّاسُ اجْتَمَعُوا عَلَيْهِ فَأَمَرْت بِأَنْ يُؤْخَذَ قِيَاسًا عَلَى كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ أَيُقَالُ لِهَذَا قُبِلَ عَنْ اللَّهِ ؟ قِيلَ نَعَمْ قُبِلَتْ جُمْلَتُهُ عَنْ اللَّهِ , فَإِنْ قِيلَ مَا جُمْلَتُهُ ؟ قِيلَ الِاجْتِهَادُ فِيهِ عَلَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ , فَإِنْ قِيلَ أَفَيُوجَدُ فِي الْكِتَابِ دَلِيلٌ عَنْ مَا وَصَفْت ؟ قِيلَ نَعَمْ نَسَخَ اللَّهُ قِبْلَةَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَفَرَضَ عَلَى النَّاسِ التَّوَجُّهَ إلَى الْبَيْتِ فَكَانَ عَلَى مَنْ رَأَى الْبَيْتَ أَنْ يَتَوَجَّهَ إلَيْهِ بِالْعِيَانِ وَفَرَضَ اللَّهُ عَلَى مَنْ غَابَ عَنْهُ الْبَيْتُ أَنْ يُوَلِّيَ وَجْهَهُ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ لِأَنَّ الْبَيْتَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَكَانَ الْمُحِيطُ بِأَنَّهُ أَصَابَ الْبَيْتَ بِالْمُعَايَنَةِ وَالْمُتَوَجِّهُ قَصَدَ الْبَيْتَ مِمَّنْ غَابَ عَنْهُ قَابِلَيْنِ عَنْ اللَّهِ مَعًا التَّوَجُّهَ إلَيْهِ وَأَحَدُهُمَا عَلَى الْإِحَاطَةِ وَالْآخَرُ مُتَوَجِّهٌ بِدَلاَلَةٍ فَهُوَ عَلَى إحَاطَةٍ مِنْ صَوَابِ جُمْلَةِ مَا كُلِّفَ وَعَلَى غَيْرِ إحَاطَةٍ كَإِحَاطَةِ الَّذِي يَرَى الْبَيْتَ مِنْ صَوَابِ الْبَيْتِ وَلَمْ يُكَلَّفْ الْإِحَاطَةَ
قَالَ الشَّافِعِيُّ : : فَإِنْ قِيلَ فِيمَ يُتَوَجَّهُ إلَى الْبَيْتِ ؟ قِيلَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : ? هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ? وَقَالَ : ? وَعَلاَمَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ ? وَكَانَتْ الْعَلاَمَاتُ جِبَالاً يَعْرِفُونَ مَوَاضِعَهَا مِنْ الْأَرْضِ وَشَمْسًا وَقَمَرًا وَنَجْمًا مِمَّا يَعْرِفُونَ مِنْ الْفَلَكِ وَرِيَاحًا يَعْرِفُونَ مَهَابَّهَا عَلَى الْهَوَاءِ تَدُلُّ عَلَى قَصْدِ الْبَيْتِ الْحَرَامِ فَجَعَلَ عَلَيْهِمْ طَلَبَ الدَّلاَئِلِ عَلَى شَطْرِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَقَالَ : ? وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْت فَوَلِّ وَجْهَك شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُمَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ ? وَكَانَ مَعْقُولاً عَنْ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنَّهُ إنَّمَا يَأْمُرُهُمْ بِتَوْلِيَةِ وُجُوهِهِمْ شَطْرَهُ بِطَلَبِ الدَّلاَئِلِ عَلَيْهِ لاَ بِمَا اسْتَحْسَنُوا وَلاَ بِمَا سَنَحَ فِي قُلُوبِهِمْ وَلاَ خَطَرَ عَلَى أَوْهَامِهِمْ بِلاَ دَلاَلَةٍ جَعَلَهَا اللَّهُ لَهُمْ لِأَنَّهُ قَضَى أَنْ لاَ يَتْرُكَهُمْ سُدًى وَكَانَ@

الصفحة 71