كتاب الأم للشافعي - ط الوفاء (اسم الجزء: 9)

فِي بَلَدٍ وَمُفْتٍ بِمَا يَسْتَحْسِنُ فَيُقَالُ فِي الشَّيْءِ الْوَاحِدِ بِضُرُوبٍ مِنْ الْحُكْمِ وَالْفُتْيَا , فَإِنْ كَانَ هَذَا جَائِزًا عِنْدَهُمْ فَقَدْ أَهْمَلُوا أَنْفُسَهُمْ فَحَكَمُوا حَيْثُ شَاءُوا وَإِنْ كَانَ ضَيِّقًا فَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَدْخُلُوا فِيهِ وَإِنْ قَالَ الَّذِي يَرَى مِنْهُمْ تَرْكَ الْقِيَاسِ بَلْ عَلَى النَّاسِ اتِّبَاعُ مَا قُلْت قِيلَ لَهُ مَنْ أَمَرَ بِطَاعَتِك حَتَّى يَكُونَ عَلَى النَّاسِ اتِّبَاعُك ؟ أَوْ رَأَيْت إنْ ادَّعَى عَلَيْك غَيْرُك هَذَا أَتُطِيعُهُ أَمْ تَقُولُ لاَ أُطِيعُ إلَّا مَنْ أُمِرْت بِطَاعَتِهِ ؟ فَكَذَلِكَ لاَ طَاعَةَ لَك عَلَى أَحَدٍ وَإِنَّمَا الطَّاعَةُ لِمَنْ أَمَرَ اللَّهُ أَوْ رَسُولُهُ بِطَاعَتِهِ وَالْحَقُّ فِيمَا أَمَرَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ بِاتِّبَاعِهِ وَدَلَّ اللَّهُ وَرَسُولُهُ عَلَيْهِ نَصًّا أَوْ اسْتِنْبَاطًا بِدَلاَئِلَ أَوَرَأَيْت إذْ أَمَرَ اللَّهُ بِالتَّوَجُّهِ قِبَلَ الْبَيْتِ وَهُوَ مُغَيَّبٌ عَنْ الْمُتَوَجِّهِ هَلْ جَعَلَ لَهُ أَنْ يَتَوَجَّهَ إلَّا بِالِاجْتِهَادِ بِطَلَبِ الدَّلاَئِلِ عَلَيْهِ ؟ أَوَرَأَيْت إذَا أَمَرَ بِشَهَادَةِ الْعَدْلِ فَدَلَّ عَلَى أَنْ لاَ يَقْبَلَ غَيْرَهَا هَلْ يَعْرِفُ الْعَدْلَ مِنْ غَيْرِهِ إلَّا بِطَلَبِ الدَّلاَئِلِ عَلَى عَدْلِهِ ؟ أَوَرَأَيْت إذَا أَمَرَ بِالْحُكْمِ بِالْمِثْلِ فِي الصَّيْدِ هَلْ أَمَرَ أَنْ يَحْكُمَ إلَّا بِأَنْ يَحْكُمَ بِنَظَرِهِ ؟ فَكُلُّ هَذَا اجْتِهَادٌ وَقِيَاسٌ أَوَرَأَيْت إذَا أَمَرَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - بِالِاجْتِهَادِ فِي الْحُكْمِ هَلْ يَكُونُ مُجْتَهِدًا عَلَى غَيْرِ طَلَبِ عَيْنٍ وَطَلَبُ الْعَيْنِ لاَ يَكُونُ إلَّا بِاتِّبَاعِ الدَّلاَئِلِ عَلَيْهَا وَذَلِكَ الْقِيَاسُ لِأَنَّ مُحَالاً أَنْ يُقَالَ اجْتَهِدْ فِي طَلَبِ شَيْءٍ مَنْ لَمْ يَطْلُبْهُ بِاحْتِيَالِهِ وَالِاسْتِدْلاَلُ عَلَيْهِ لاَ يَكُونُ طَالِبًا لِشَيْءٍ مَنْ سَنَحَ عَلَى وَهْمِهِ أَوْ خَطَرَ بِبَالِهِ مِنْهُ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَإِنَّهُ لَيَلْزَمُ مِنْ تَرْكِ الْقِيَاسِ أَكْثَرُ مِمَّا ذَكَرْت وَفِي بَعْضِهِ مَا قَامَ عَلَيْهِ الْحُجَّةُ وَأَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى لِي وَلِجَمِيعِ خَلْقِهِ التَّوْفِيقَ وَلَيْسَ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَقْبَلَ وَلاَ لِلْوَالِي أَنْ يَدَعَ أَحَدًا وَلاَ يَنْبَغِي لِلْمُفْتِي أَنْ يُفْتِيَ أَحَدًا إلَّا مَتَى يَجْمَعُ أَنْ يَكُونَ عَالِمًا عِلْمَ الْكِتَابِ وَعِلْمَ نَاسِخِهِ وَمَنْسُوخِهِ خَاصِّهِ وَعَامِّهِ وَأَدَبِهِ وَعَالِمًا بِسُنَنِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَقَاوِيلِ أَهْلِ الْعِلْمِ قَدِيمًا وَحَدِيثًا وَعَالِمًا بِلِسَانِ الْعَرَبِ عَاقِلاً يُمَيِّزُ بَيْنَ الْمُشْتَبَهِ @

الصفحة 76