كتاب الأم للشافعي - ط الوفاء (اسم الجزء: 9)

وَيَعْقِلُ الْقِيَاسَ . فَإِنْ عَدِمَ وَاحِدًا مِنْ هَذِهِ الْخِصَالِ لَمْ يَحِلَّ لَهُ أَنْ يَقُولَ قِيَاسًا , وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ عَالِمًا بِالْأُصُولِ غَيْرَ عَاقِلٍ لِلْقِيَاسِ الَّذِي هُوَ الْفَرْعُ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُقَالَ لِرَجُلٍ قِسْ وَهُوَ لاَ يَعْقِلُ الْقِيَاسَ وَإِنْ كَانَ عَاقِلاً لِلْقِيَاسِ وَهُوَ مُضَيِّعٌ لِعِلْمِ الْأُصُولِ أَوْ شَيْءٍ مِنْهَا لَمْ يَجُزْ أَنْ يُقَالَ لَهُ قِسْ عَلَى مَا لاَ تَعْلَمْ كَمَا لاَ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ قِسْ لِأَعْمًى وَصَفْت لَهُ اجْعَلْ كَذَا عَنْ يَمِينِك , وَكَذَا عَنْ يَسَارِك فَإِذَا بَلَغْت كَذَا فَانْتَقِلْ مُتَيَامِنًا وَهُوَ لاَ يُبْصِرُ مَا قِيلَ لَهُ يَجْعَلُهُ يَمِينًا وَيَسَارًا أَوْ يُقَالُ سِرْ بِلاَدًا وَلَمْ يَسِرْهَا قَطُّ وَلَمْ يَأْتِهَا قَطُّ وَلَيْسَ لَهُ فِيهَا عِلْمٌ يَعْرِفُهُ وَلاَ يَثْبُتُ لَهُ فِيهَا قَصْدُ سَمْتٍ يَضْبِطُهُ لِأَنَّهُ يَسِيرُ فِيهَا عَنْ غَيْرِ مِثَالٍ قَوِيمٍ وَكَمَا لاَ يَجُوزُ لِعَالِمٍ بِسُوقِ سِلْعَةٍ مُنْذُ زَمَانٍ ثُمَّ خَفِيَتْ عَنْهُ سَنَةً أَنْ يُقَالَ لَهُ قَوِّمْ عَبْدًا مِنْ صِفَتِهِ كَذَا لِأَنَّ السُّوقَ تَخْتَلِفُ وَلاَ لِرَجُلٍ أَبْصَرَ بَعْضَ صِنْفٍ مِنْ التِّجَارَاتِ وَجَهِلَ غَيْرَ صِنْفِهِ وَالْغَيْرُ الَّذِي جَهِلَ لاَ دَلاَلَةٌ عَلَيْهِ بِبَعْضِ عِلْمِ الَّذِي عَلِمَ قُوِّمَ كَذَا كَمَا لاَ يُقَالُ لِبَنَّاءٍ اُنْظُرْ قِيمَةَ الْخِيَاطَةِ وَلاَ لِخَيَّاطٍ اُنْظُرْ قِيمَةَ الْبِنَاءِ , فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَقَدْ حَكَمَ وَأَفْتَى مَنْ لَمْ يَجْمَعْ مَا وَصَفْت قِيلَ فَقَدْ رَأَيْت أَحْكَامَهُمْ وَفُتْيَاهُمْ فَرَأَيْت كَثِيرًا مِنْهَا مُتَضَادًّا مُتَبَايِنًا وَرَأَيْت كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ يُخَطِّئُ صَاحِبَهُ فِي حُكْمِهِ وَفُتْيَاهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى الْمُسْتَعَانُ , فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ أَرَأَيْت مَا اجْتَهَدَ فِيهِ الْمُجْتَهِدُونَ كَيْفَ الْحَقُّ فِيهِ عِنْدَ اللَّهِ ؟ قِيلَ لاَ يَجُوزُ فِيهِ عِنْدَنَا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ أَنْ يَكُونَ الْحَقُّ فِيهِ عِنْدَ اللَّهِ كُلُّهُ إلَّا وَاحِدًا لِأَنَّ عِلْمَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَأَحْكَامَهُ وَاحِدٌ لِاسْتِوَاءِ السَّرَائِرِ وَالْعَلاَنِيَةِ عِنْدَهُ وَأَنَّ عِلْمَهُ بِكُلِّ وَاحِدٍ جَلَّ ثَنَاؤُهُ سَوَاءٌ @

الصفحة 77