كتاب الأم للشافعي - ط الوفاء (اسم الجزء: 9)

, فَإِنْ قِيلَ مَنْ لَهُ أَنْ يَجْتَهِدَ فَيَقِيسَ عَلَى كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ هَلْ يَخْتَلِفُونَ وَيَسَعُهُمْ الِاخْتِلاَفُ ؟ . أَوْ يُقَالُ لَهُمْ إنْ اخْتَلَفُوا : مُصِيبُونَ كُلُّهُمْ أَوْ مُخْطِئُونَ أَوْ لِبَعْضِهِمْ مُخْطِئٌ وَبَعْضُهُمْ مُصِيبٌ ؟ قِيلَ لاَ يَجُوزُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ إنْ اخْتَلَفُوا إنْ كَانَ مِمَّنْ لَهُ الِاجْتِهَادُ وَذَهَبَ مَذْهَبًا مُحْتَمَلاً أَنْ يُقَال لَهُ أَخْطَأَ مُطْلَقًا وَلَكِنْ يُقَالُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ قَدْ أَطَاعَ فِيمَا كُلِّفَ وَأَصَابَ فِيهِ وَلَمْ يُكَلَّفْ عِلْمَ الْغَيْبِ الَّذِي لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِ أَحَدٌ , فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَمَثِّلْ لِي مِنْ هَذَا شَيْئًا قِيلَ لاَ مِثَالَ أَدَلُّ عَلَيْهِ مِنْ الْغَيْبِ عَنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاسْتِقْبَالِهِ فَإِذَا اجْتَهَدَ رَجُلاَنِ بِالطَّرِيقَيْنِ عَالِمَانِ بِالنُّجُومِ وَالرِّيَاحِ وَالشَّمْسِ وَالْقَمَرِ فَرَأَى أَحَدُهُمَا الْقِبْلَةَ مُتَيَامِنًا مِنْهُ وَرَأَى أَحَدُهُمَا الْقِبْلَةَ مُنْحَرِفَةً عَنْ حَيْثُ رَأَى صَاحِبُهُ كَانَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يُصَلِّيَ حَيْثُ يَرَى وَلاَ يَتْبَعَ صَاحِبَهُ إذَا أَدَّاهُ اجْتِهَادُهُ إلَى غَيْرِ مَا أَدَّى صَاحِبَهُ اجْتِهَادُهُ إلَيْهِ وَلَمْ يُكَلَّفْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا صَوَابَ عَيْنِ الْبَيْتِ لِأَنَّهُ لاَ يَرَاهُ وَقَدْ أَدَّى مَا كُلِّفَ مِنْ التَّوَجُّهِ إلَيْهِ بِالدَّلاَئِلِ عَلَيْهِ , فَإِنْ قِيلَ فَيَلْزَمُ أَحَدَهُمَا اسْمُ الْخَطَأِ قِيلَ أَمَّا فِيمَا كُلِّفَ فَلاَ وَأَمَّا خَطَأُ عَيْنِ الْبَيْتِ فَنَعَمْ لِأَنَّ الْبَيْتَ لاَ يَكُونُ فِي جِهَتَيْنِ , فَإِنْ قِيلَ فَيَكُونُ مُطِيعًا بِالْخَطَأِ قِيلَ هَذَا مِثْلُ جَاهِدٍ يَكُونُ مُطِيعًا بِالصَّوَابِ لِمَا كُلِّفَ مِنْ الِاجْتِهَادِ وَغَيْرَ آثِمٍ بِالْخَطَأِ إذْ لَمْ يُكَلَّفْ صَوَابَ الْمَغِيبِ الْعَيِّنِ عَنْهُ فَإِذَا لَمْ يُكَلَّفْ صَوَابَهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ خَطَأٌ مَا لَمْ يَجْعَلْ عَلَيْهِ صَوَابَ عَيْنِهِ , فَإِنْ قِيلَ أَفَتَجِدُ سُنَّةً تَدُلُّ عَلَى مَا وَصَفْت ؟ قِيلَ نَعَمْ .@

الصفحة 78