كتاب التبيان في أيمان القرآن - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 1)

العاقل طلب النَّجَاة منه بالإخلاص والإحسان, وهو اقتحام "العقبة" المتضمِّن للتوبة إلى الله تعالى، والإحسان إلى خلقه.
وقال تعالى: {فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ (١١)}، وهو فعلٌ ماضٍ، ولم يكرِّر معه "لا":
إمَّا استعمالًا لأداة "لا" كاستعمال "ما".
وإمَّا إجراءً لهذا الفعل مجرى الدعاء، نحو: فلا سَلِمَ ولا عَاشَ، ونحو ذلك.
وإمَّا لأنَّ "العقبةَ" قد فُسِّرت بمجموع أمورٍ؛ فاقتحامها فِعْلُ كُلِّ واحدٍ منها، فأغنى ذلك عن تكريرها، فكأنَّه قال: فلا فَكَّ رَقَبةً، ولا أَطْعَمَ، ولا كان من الذين آمنوا.
وقراءة من قرأ: {فَكَّ رَقَبَةً} - بالفعل (¬١) - كأنَّها أرجحُ من قراءة من قرأها بالمصدر؛ لأنَّ قوله: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ (١٢)} على حدِّ قوله: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحَاقَّةُ (٣)} [الحاقة: ٣] , {وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ (١٧)} [الانفطار: ١٧] , {وَمَا أَدْرَاكَ مَاهِيَهْ (١٠) نَارٌ حَامِيَةٌ (١١)} [القارعة: ١٠، ١١] ونظائره، تعظيمًا لشأن "العقبة" وتفخيمًا لأمرها.
وهي جملة اعتراض بين المفسِّر والمفسَّر، فإنَّ قوله: {فَكُّ
---------------
(¬١) قرأ ابن كثير، وأبو عمرو، والكسائي: فَكَّ رقبةً أو أطْعَمَ .. بالفعل الماضي.
وقرأ الباقون: فكُّ رقبةٍ أو إطعامٌ ... بالمصدر.
انظر: "المبسوط في القراءات العشر" للأصبهاني (٤٧٣)، و"التذكرة في القراءات الثمان" لابن غلبون (٢/ ٦٢٨)، و"الإقناع في القراءات السبع" لابن الباذش (٢/ ٨١٢).

الصفحة 65