كتاب التبيان في أيمان القرآن - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: المقدمة)

ثانيًا: إقسامه - سبحانه - بأفعاله وصفاته العليَّة، كقوله تعالى: {وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا (٥) وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا (٦) وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (٧) } [الشمس: ٥ - ٧] على اعتبار "ما" مصدريَّة، أي: والسماء وبنائها.
ثالثًا: إقسامُه - سبحانه - بمخلوقاته، وهو - سبحانه - لا يقسم إلا بالأشياء العظيمة الدالَّة على قدرته وكمال صُنعه، أو بالأشياء المباركة في نفعها أو فضلها.
قال ابن القيم رحمه الله: "وإنما يُقْسِم - سبحانه - من كل جنْسٍ بأعلاه، كما أنه لمَّا أقسَمَ بالنُّفُوس أقسَمَ بأعلاها؛ وهي: النَّفْس الإنسانيَّة.
ولمَّا أقسَمَ بكلامه أقسَمَ بأشرفه وأجلِّه؛ وهو: القرآن.
ولمَّا أقسَمَ بالعُلْويَّات أقسَمَ بأشرفها؛ وهي: السماء، وشمسها، وقمرها، ونجومها.
ولمَّا أقسَمَ بالزَّمان أقسَمَ بأشرفه؛ وهو: الليالي العَشْر.
وإذا أراد - سبحانه - أن يُقْسِمَ بغير ذلك أدرجه في العموم كقوله عزَّ وجلَّ: {فَلَا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ (٣٨) وَمَا لَا تُبْصِرُونَ (٣٩) } [الحاقة: ٣٨، ٣٩]، وقوله: {الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (٣) } [الليل: ٣]، في قراءة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ونحو ذلك" (¬١) .
وقد نُقل عن الضحَّاك إنكاره لهذا النوع من القَسَم فقال: "إنَّ الله لا يقسم بشيءٍ من خلقه، ولكنه استفتاح يستفتح به كلامه" (¬٢) !
_________
(¬١) "التبيان" (١٨٨ - ١٨٩).
(¬٢) نقله عنه الماوردي في "النكت والعيون" (٥/ ٤٦٢)، وابن كثير في "تفسيره" =

الصفحة 17