كتاب حاشية ابن القيم على سنن أبي داود (ط. المكبتة السلفية) (اسم الجزء: 1)

الحكم عن بعضها دون بعض للتحكم
ولا إثبات حكم المنطوق لها لأبطال فائدة التخصيص فتعين بقيد عن جميعها
وأما قولكم إن العدد خرج مخرج التحديد فلأنه عدد صدر من الشارع فكان تحديدا وتقييدا كالخمسة الأوسق والأربعين من الغنم والخمس من الإبل والثلاثين من البقر وغير ذلك إذ لا بد للعدد من فائدة ولا فائدة له إلا التحديد
وأما الجواب عن بعض المعارض فليس معكم إلا عموم لفظي أو عموم معنوي وهو القياس وقد بينا تقديم المفهوم عليهما
وأما جعل الشيء نصفا فلأنه قد شك فيه فجعلناه نصفا احتياطيا والظاهر أنه لا يكون أكثر منه ويحتمل النصف فما دون فتقديره بالنصف أولى
وأما كون ما أوجب به الاحتياط يصير فرضا فلأن هذا حقيقة الاحتياط كإمساك جزء من الليل مع النهار وغسل جزء من الرأس مع الوجه
فهذا تمام تقرير هذا الحديث سندا ومتنا ووجه الاحتجاج به
قال المانعون من التحديد بالقلتين أما قولكم إنه قد صح سنده فلا يفيد الحكم بصحته لأن صحه السند شرط أو جزء سبب للعلم بالصحة لا موجب تام فلا يلزم من مجرد صحة السند صحة الحديث ما لم ينتف عنه الشذوذ والعلة ولم ينتفيا عن هذا الحديث
أما الشذوذ فإن هذا حديث فاصل بين الحلال والحرام والطاهر والنجس وهو في المياه كالأوسق في الزكاة والنصب في الزكاة فكيف لا يكون مشهورا شائعا بين
الصحابة ينقله خلف عن سلف لشدة حاجة الأمة إليه أعظم من حاجتهم إلى نصب الزكاة فإن أكثر الناس لا تجب عليهم زكاة والوضوء بالماء الطاهر فرض على كل مسلم فيكون الواجب نقل هذا الحديث كنقل نجاسة البول ووجوب غسله ونقل عدد الراكعات ونظائر ذلك
ومن المعلوم أن هذا لم يروه غير ابن عمر ولا عن ابن عمر غير عبيد الله وعبد الله فأين نافع وسالم وأيوب وسعيد بن جبير وأين أهل المدينة وعلماؤهم عن هذه السنة التي مخرجها من عندهم وهم إليها أحوج الخلق لعزة الماء عندهم ومن البعيد جدا أن تكون هذه السنة عند ابن عمر وتخفى على علماء

الصفحة 112