كتاب حاشية ابن القيم على سنن أبي داود (ط. المكبتة السلفية) (اسم الجزء: 1)

وأما تقرير كون المفهوم حجة فلا تنفعكم مساعدتنا عليه إذ المساعدة على مقدمة من مقدمات الدليل لا تستلزم المساعدة على الدليل
وأما تقديمكم له على العموم فممنوع وهي مسألة نزاع بين الأصوليين والفقهاء وفيها قولان معروفان
ومنشأ النزاع تعارض خصوص المفهوم وعموم المنطوق فالخصوص يقتضي التقديم والمنطوق يقتضي الترجيح فإن رجحتم المفهوم بخصوصه رجح منازعوكم العموم بمنطوقه
ثم الترجيح معهم ههنا للعموم من وجوه أحدها أن حديثه أصح
الثاني أنه موافق للقياس الصحيح
الثالث أنه موافق لعمل أهل المدينة قديما وحديثا فإنه لا يعرف عن أحد منهم أنه حدد الماء بقلتين وعملهم بترك التحديد في المياه عمل نقلي خلفا عن سلف فجرى مجرى نقلهم الصاع والمد والأجناس وترك أخذ الزكاة من الخضروات وهذا هو الصحيح المحتج به من إجماعهم دون ما طريقه الاجتهاد والاستدلال
فإنهم وغيرهم فيه سواء وربما يرجح غيرهم عليهم ويرجحوا هم على غيرهم
فتأمل هذا الموضع
فإن قيل ما ذكرتم من الترجيح فمعنا من الترجيح ما يقابله وهو أن المفهوم هنا قد تأيد بحديث النهي عن البول في الماء الراكد والأمر بإراقة ما ولغ فيه الكلب والأمر بغسل اليد من نوم الليل فإن هذه الأحاديث تدل على أن الماء يتأثر بهذه الأشياء وإن لم يتغير ولا سبيل إلى تأثر كل ماء بها بل لا بد من تقديره فتقديره بالقلتين أولى من تقديره بغيرهما لأن التقدير بالحركة والأذرع المعينة وما يمكن نزحه وما لا يمكن تقديرات باطلة لا أصل لها وهي غير منضبطة في نفسها فرب حركة تحرك غديرا عظيما من الماء وأخرى تحرك مقدارا يسيرا منه بحسب المحرك والمتحرك
وهذا التقدير بالأذرع تحكم محض لا بسنة ولا قياس وكذا التقدير بالنزح الممكن مع عدم انضباطه فإن عشرة آلاف مثلا يمكنهم نزح ما لا ينزحه غيرهم فلا ضابط له
وإذا بطلت هذه التقديرات ولا بد من تقدير فالتقدير بالقلتين أولى لثبوته إما عن النبي وإما عن الصحابة رضي الله تعالى عنهم
قيل هذا السؤال مبني على مقامات
أحدهما أن النهي في هذه الأحاديث مستلزم لنحاسة الماء المنهي عنه

الصفحة 115