كتاب حاشية ابن القيم على سنن أبي داود (ط. المكبتة السلفية) (اسم الجزء: 1)

الماء لم يبق عنده وازع ولا زاجر عن البول فيما هو أكثر منه وهذا يرجع على مقصود صاحب الشرع بالإبطال
وكل شرط أو علة أو ضابط يرجع على مقصود الشارع بالإبطال كان هو الباطل المحال
ومما يدل على هذا أن النبي ذكر في النهي وصفا يدل على أنه هو المعتبر في النهي وهو كون الماء دائما لا يجري ولم يقتصر على قوله الدائم حتى نبه على العلة بقوله لا يجري فتقف النجاسة فيه فلا يذهب بها
ومعلوم أن هذه العلة موجودة في القلتين وفيما زاد عليهما
والعجب من مناقضة المحددين بالقلتين لهذا المعنى حيث اعتبروا القلتين حتى في الجاري وقالوا إن كانت الجرية قلتين فصاعدا لم يتأثر بالنجاسة وإن كانت دون القلتين تأثرت وألغوا كون الماء جاريا أو واقفا وهو الوصف الذي اعتبره الشارع
واعتبروا في الجاري والواقف القلتين
والشارع لم يعتبره بل اعتبر الوقوف والجريان
فإن قيل فإذا لم تخصصوا الحديث ولم تقيدوه بماء دون ماء لزمكم المحال وهو أن ينهى عن البول في البحر لأنه دائم لا يجري
قيل ذكره الماء الدائم الذي لا يجري تنبيه على أن حكمة النهي إنما هي ما يخشى من إفساد مياه الناس عليهم وأن النهي إنما تعلق بالمياه الدائمة التي من شأنها أن تفسدها الأبوال
فأما الأنهار العظام والبحار فلم يدل نهي النبي عليها بوجه بل لما دل كلامه بمفهومه على جواز البول في الأنهار العظام كالنيل والفرات فجواز البول في البحار أولى وأحرى ولو قدر أن هذا تخصيص لعموم كلامه فلا يستريب عاقل أنه أولى من تخصيصه بالقلتين
أو ما لا يمكن نزحه أو ما لا يمكن تبلغ الحركة طرفيه
لأن المفسدة المنهي عن البول لأجلها لا تزول في هذه المياه بخلاف ماء البحر فإنه لا مفسدة في البول فيه
وصار هذا بمنزلة نهيه عن التخلي في الظل
وبوله في ظل الشجرتين واستتاره بجذم الحائط فإنه نهى عن التخلي في الظل النافع وتخلى مستترا بالشجرتين والحائط حيث لم ينتفع أحد بظلهما فلم يفسد ذلك الظل على أحد
وبهذا الطريق يعلم أنه إذا كان قد نهى عن البول في الماء الدائم مع أنه قد يحتاج إليه فلأن ينهي عن البول في إناء ثم يصبه فيه بطريق

الصفحة 117