كتاب حاشية ابن القيم على سنن أبي داود (ط. المكبتة السلفية) (اسم الجزء: 1)

قالوا وإن احتج به من يقول بالقلتين فإنه يخصصه بما دون القلتين ويحمل الأمر بغسله وإراقته على هذا المقدار ومعلوم أنه ليس في اللفظ ما يشعر بهذا بوجه ولا يدل عليه بواحدة من الدلالات الثلاث
وإذا كان لا بد لهم من تقييد الحديث وتخصيصه ومخالفة ظاهره كان أسعد الناس به من حمله على الولوغ المعتاد في الآنية المعتادة التي يمكن إراقتها وهو ولوغ متتابع في آنية صغار
يتحلل من الكلب في كل مرة ريق ولعاب نجس يخالط الماء ولا يخالف لونه لونه فيظهر فيه التغير فتكون أعيان النجاسة قائمة بالماء وإن لم تر فأمر بإراقته وغسل الإناء
فهذا المعنى أقرب إلى الحديث وألصق به وليس في حمله عليه ما يخالف ظاهره
بل الظاهر أنه إنما أراد الآنية المعتادة التي تتخذ للاستعمال فيلغ فيها الكلاب فإن كان حمله على هذا موافقة للظاهر فهو المقصود وإن كان مخالفة للظاهر فلا ريب أنه أقل مخالفة من حمله على الأقوال المتقدمة
فيكون أولى على التقديرين
قالوا وأما حديث النهي عن غمس اليد في الإناء عند القيام من نومه فالاستدلال به أضعف من هذا كله فإنه ليس في الحديث ما يدل على نجاسة الماء
وجمهور الأمة على طهارته والقول بنجاسته من أشذ الشاذ وكذا القول بصيرورته مستعملا ضعيف أيضا وإن كان إحدى الروايتين عن أحمد واختيار القاضي وأتباعه واختيار أبي بكر وأصحاب أحمد فإنه ليس في الحديث دليل على فساد الماء
وقد بينا أن النهي عن البول فيه لا يدل على فساده بمجرد البول فكيف يغمس اليد فيه بعد القيام من النوم وقد اختلف في النهي عنه فقيل تعبدي ويرد هذا القول أنه معلل في الحديث بقوله فإنه لا يدري أين باتت يده
وقيل معلل باحتمال النجاسة كثرة في يديه أو مباشرة اليد لمحل الاستجمار
وهو ضعيف أيضا
لأن النهي عام للمستنجي والمستجمر والصحيح وصاحب البثرات
فيلزمكم أن تخصوا النهي بالمستجمر وصاحب البثور وهذا لم يقله أحد
وقيل وهو الصحيح إنه معلل بخشية مبيت الشيطان على يده أو مبيتها عليه
وهذه العلة نظير تعليل صاحب الشرع الاستنشاق بمبيت الشيطان على الخيشوم فإنه قال إذا استيقظ أحدكم من نومه فليستنشق بمنخريه من الماء فإن الشيطان يبيت على خيشومه متفق عليه
وقال هنا فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده

الصفحة 121