كتاب حاشية ابن القيم على سنن أبي داود (ط. المكبتة السلفية) (اسم الجزء: 1)

لبعضها ويجوز أن يكون
ثابتا لجميعها بشرط ليس في المنطوق فتكون فائدة التخصيص به لدلالته على ثبوت الحكم له مطلقا وثبوته للمفهوم بشرط
فيكون المنفي عنه الثبوت المطلق لا مطلق المثبوت
فمن أين جاء العموم للمفهوم وهو من عوارض الألفاظ وعلى هذا عامة المفهومات
فقوله تعالى لا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره لا يدل المفهوم على أن بمجرد نكاحها الزوج الثاني تحل له
وكذا قوله فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا لا يدل على عدم الكتابة عند عدم هذا الشرط مطلقا
وكذا قوله والذين يبتغون الكتاب
ونظائره أكثر من أن تحصى
وكذلك إن سلكت طريقة التعليل لم يلزم العموم أيضا فإنه يلزم من انتفاء العلة انتفاء معلولها ولا يلزم انتفاء الحكم مطلقا لجواز ثبوته بوصف آخر
وإذا ثبت هذا فمنطوق حديث القلتين لا ننازعكم فيه ومفهومه لا عموم له
فبطل الاحتجاج به منطوقا ومفهوما
وأما قولكم إن العدد خرج مخرج التحديد والتقييد كنصب الزكوات فهذا باطل من وجوه أحدها أنه لو كان هذا مقدارا فاصلا بين الحلال والحرام والطاهر والنجس لوجب على النبي بيانه بيانا عاما متتابعا تعرفه الأمة كما بين نصب الزكوات وعدد الجلد في الحدود ومقدار ما يستحقه الوارث فإن هذا أمر يعم الإبتلاء به كل الأمة فكيف لا يبنيه حتى يتفق سؤال سائل له عن قضية جزئية فيجيبه بهذا ويكون ذلك حدا عاما للأمة كلها لا يسع أحدا جهله ولا تتناقله الأمة ولا يكون شائعا بينهم بل يحالون فيه على مفهوم ضعيف شأنه ما ذكرناه قد خالفته العمومات والأدلة الكثيرة ولا يعرفه أهل بلدته ولا أحد منهم يذهب إليه الثاني أن الله سبحانه وتعالى قال وما كان الله ليضل قوما بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون وقال وقد فصل لكم ما حرم عليكم فلو كان الماء الذي لم يتغير بالنجاسة منه ما هو حلال ومنه ما هو حرام لم يكن في هذا الحديث بيان للأمة ما يتقون ولا كان قد فصل لهم ما حرم عليهم
فإن المنطوق من حديث القلتين لا دليل فيه والمسكوت عنه كثير من أهل العلم يقولون

الصفحة 123