كتاب حاشية ابن القيم على سنن أبي داود (ط. المكبتة السلفية) (اسم الجزء: 1)

لا يدل على شيء فلم يحصل لهم بيان ولا فصل الحلال من الحرام
والآخرون يقولون لا بد من مخالفة المسكوت للمنطوق ومعلوم أن مطلق المخالفة لا يستلزم المخالفة المطلقة الثابتة لكل فرد فرد من المسكوت عنه فكيف يكون هذا حدا فاصلا فتبين أنه ليس في المنطوق ولا في السكوت عنه فصل ولا حد
الثالث أن القائلين بالمفهوم إنما قالوا به إذا لم يكن هناك سبب اقتضى التخصيص بالمنطوق فلو ظهر سبب يقتضي التخصيص به لم يكن المفهوم معتبرا كقوله ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق وذكر هذا القيد لحاجة المخاطبين إليه إذ هو الحامل لهم على قتلهم لا لاختصاص الحكم به
ونظيره لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة ونظائره كثيرة
وعلى هذا فيحتمل أن يكون ذكر العلتين وقع في الجواب لحاجة السائل إلى ذلك ولا يمكن الجزم
بدفع هذا الاحتمال
نعم لو أن النبي قال هذا اللفظ ابتداء من غير سؤال لاندفع هذا الاحتمال
الرابع أن حاجة الأمة حضرها وبدوها على اختلاف أصنافها إلى معرفة الفرق بين الطاهر والنجس ضرورية فكيف يحالون في ذلك على مالا سبيل لأكثرهم إلى معرفته فإن الناس لا يكتالون الماء ولا يكادون يعرفون مقدار القلتين لا طولهما ولا عرضهما ولا عمقهما فإذا وقعت في الماء نجاسة فما يدريه أنه قلتان وهل تكليف ذلك إلا من باب علم الغيب وتكليف ما لا يطاق فإن قيل يستظهر حتى يغلب على ظنه أنه قلتان قيل ليس هذا شأن الحدود الشرعية فإنها مضبوطة لا يزاد عليها ولا ينقص منها كعدد الجلدات ونصب الزكوات وعدد الركعات وسائر الحدود الشرعية
الخامس أن خواص العلماء إلى اليوم لم يستقر لهم قدم على قول واحد في القلتين فمن قائل ألف رطل بالعراقي ومن قائل ستمائة رطل ومن قائل خمسمائة ومن قائل أربعمائة
وأعجب من هذا جعل هذا المقدار تحديدا فإذا كان العلماء قد أشكل عليهم قدر القلتين واضطربت أقوالهم في ذلك فما الظن بسائر الأمة ومعلوم أن الحدود الشرعية لا يكون هذا شأنها
السادس أن المحددين يلزمهم لوازم باطلة شنيعة جدا
منها أن يكون ماء واحد إذا ولغ فيه الكلب تنجس وإذا بال فيه لم ينجسه

الصفحة 124