كتاب حاشية ابن القيم على سنن أبي داود (ط. المكبتة السلفية) (اسم الجزء: 1)

ومنها أن الشعرة من الميتة إذا كانت نجسة فوقعت في قلتين إلا رطلا مثلا أن ينجس الماء ولو وقع رطل بول في قلتين لم ينجسه ومعلوم أن تأثر الماء بهذه النجاسة أضعاف تأثره بالشعرة فمحال أن يجيء شرع بتنجس الأول وطهارة الثاني
وكذلك ميتة كاملة تقع في قلتين لا تنجسها وشعرة منها تقع في قلتين إلا نصف رطل أو رطلا فتنجسها إلى غير ذلك من اللوازم التي يدل بطلانها على بطلان ملزوماتها وأما جعلكم الشيء نصفا ففي غاية الضعف فإنه شك من ابن جريج
فياسبحان الله يكون شكله حدا لازما للأمه فاصلا بين الحلال والحرام والنبي قد بين لأمته الدين وتركهم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها فيمتنع أن يقدر لأمته حدا لا سبيل لهم إلى معرفة إلا شك حادث بعد عصر الصحابة يجعل نصفا احتياطيا وهذا بين لمن أنصف
والشك الجاري الواقع من الأمة في طهورهم وصلاتهم قد بين لهم حكمه ليندفع عنهم باليقين فكيف يجعل شكهم حدا فاصلا فارقا بين الحلال والحرام ثم جعلكم هذا احتياطا باطل لأن الاحتياط يكون في الأعمال التي يترك التكلف منها عملا لآخر احتياطا وأما الأحكام الشرعية والإخبار عن الله ورسوله فطريق الاحتياط فيها أن لا يخبر عنه إلا بما أخبر به ولا يثبت إلا ما أثبته
ثم إن الاحتياط هو في ترك هذا الاحتياط فإن الرجل تحضره الصلاة وعنده قلة
ماء قد وقعت فيها شعرة ميتة فتركه الوضوء منه مناف للاحتياط
فهلا أخذتم بهذا الأصل هنا وقلتم ما ثبت تنجيسه بالدليل الشرعي نجسناه وما شككنا فيه رددناه إلى أصل الطهارة لأن هذا لما كان طاهرا قطعا وقد شككنا هل حكم رسول الله بتنجيسه أم لا فالأصل الطهارة
وأيضا فأنتم لا تبيحون لمن شك في نجاسة الماء أن يعدل إلى التيمم بل توجبون عليه الوضوء
فكيف تحرمون عليه الوضوء هنا بالشك وأيضا فإنكم إذا نجستموه بالشك نجستم ما يصيبه من الثياب والأبدان والآنية وحرمتم شربه والطبخ به وأرقتم الأطعمة المتخذة منه
وفي هذا تحريم لأنواع عظيمة من الحلال بمجرد الشك وهذا مناف لأصول الشريعة
والله أعلم

الصفحة 125