كتاب عون المعبود شرح سنن أبي داود (ط. المكبتة السلفية) (اسم الجزء: 1)

وَلَكِنَّ الْحَدِيث الْآتِي يَدُلّ عَلَى الْمَنْع مِنْ كُلّ وَاحِد مِنْهُمَا بِانْفِرَادِهِ أَيْضًا ، وَإِنْ كَانَ الْمَاء كَثِيرًا جَارِيًا لَمْ يَحْرُم الْبَوْل فِيهِ بِمَفْهُومِ الْحَدِيث .
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ : وَأَخْرَجَهُ مُسْلِم وَالنَّسَائِيُّ ، وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيّ مِنْ حَدِيث الْأَعْرَج عَنْ أَبِي هُرَيْرَة ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِم وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيث هِشَام بْن مُنَبِّه عَنْ أَبِي هُرَيْرَة وَلَفْظ التِّرْمِذِيّ وَفِي لَفْظ النَّسَائِيِّ ثُمَّ يَتَوَضَّأ مِنْهُ .
اِنْتَهَى .
64 -
قَالَ صَاحِبُ عَوْنِ الْمَعْبُودِ :
( لَا يَبُولَنَّ أَحَدكُمْ فِي الْمَاء الدَّائِم وَلَا يَغْتَسِل فِيهِ مِنْ الْجَنَابَة )
: وَهَذَا الْحَدِيث صَرِيح الْمَنْع مِنْ كُلّ وَاحِد مِنْ الْبَوْل وَالِاغْتِسَال فِيهِ عَلَى اِنْفِرَاده كَمَا مَرَّ .
وَأَخْرَجَ مُسْلِم وَغَيْره عَنْ أَبِي هُرَيْرَة أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " لَا يَغْتِسَلَنَّ أَحَدكُمْ فِي الْمَاء الدَّائِم وَهُوَ جُنُب " فَقَالُوا : يَا أَبَا هُرَيْرَة كَيْف يَفْعَل ؟ قَالَ : يَتَنَاوَلُهُ تَنَاوُلًا .
وَقَدْ اسْتُدِلَّ بِهَذِهِ الْأَحَادِيث عَلَى أَنَّ الْمَاء الْمُسْتَعْمَل يَخْرُج عَنْ كَوْنه أَهْلًا لِلتَّطْهِيرِ لِأَنَّ النَّهْي هَاهُنَا عَنْ مُجَرَّد الْغُسْل ، فَدَلَّ عَلَى وُقُوع الْمَفْسَدَة بِمُجَرَّدِهِ ، وَحُكْم الْوُضُوء حُكْم الْغُسْل فِي هَذَا الْحُكْم ، وَقَالُوا : وَالْبَوْل يُنَجِّس الْمَاء فَكَذَا الِاغْتِسَال لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ نَهَى عَنْهُمَا جَمِيعًا ، وَذَهَبَ بَعْض الْحَنَفِيَّة إِلَى هَذَا وَقَالَ إِنَّ الْمَاء الْمُسْتَعْمَل نَجِس ، وَأُجِيبَ عَنْ الِاسْتِدْلَال بِحَدِيثِ الْبَاب بِأَنَّ عِلَّة النَّهْي لَيْسَتْ كَوْنه يَصِير مُسْتَعْمَلًا بَلْ مَصِيره مُسْتَخْبَثًا بِتَوَارُدِ الِاسْتِعْمَال فَيَبْطُل نَفْعه ، وَيُوَضِّح ذَلِكَ قَوْلُ أَبِي هُرَيْرَة يَتَنَاوَلهُ تَنَاوُلًا فَإِنَّهُ يَدُلّ عَلَى أَنَّ النَّهْي إِنَّمَا هُوَ مِنْ الِانْغِمَاس لَا عَنْ الِاسْتِعْمَال وَإِلَّا لَمَا كَانَ بَيْن الِانْغِمَاس وَالتَّنَاوُل فَرْق .
وَذَهَبَ جَمَاعَة مِنْ الْعُلَمَاء كَعَطَاءٍ ، وَسُفْيَان الثَّوْرِيّ وَالْحَسَن الْبَصْرِيّ وَالزُّهْرِيّ وَالنَّخَعِيّ وَأَبِي ثَوْر وَجَمِيع أَهْل الظَّاهِر وَمَالِك وَالشَّافِعِيّ وَأَبِي حَنِيفَة فِي إِحْدَى الرِّوَايَات @

الصفحة 133