كتاب عون المعبود شرح سنن أبي داود (ط. المكبتة السلفية) (اسم الجزء: 1)

الْقَذَارَات ، وَتَنْظِيف مَا يَحْدُث فِيهَا مِنْ الدَّنَس وَغَيْره .
قَالَ الْخَطَّابِيُّ : وَنَهْيه عَنْ الِاسْتِنْجَاء بِالْيَمِينِ فِي قَوْل أَكْثَرِ الْعُلَمَاء نَهْي أَدَب وَتَنْزِيه .
وَقَالَ بَعْض أَهْل الظَّاهِر : إِذَا اِسْتَنْجَى بِيَمِينِهِ لَمْ يُجْزِهِ كَمَا لَا يُجْزِيه بِرَجِيعٍ أَوْ عَظْم
( وَأَنْ لَا يَسْتَنْجِي أَحَدُنَا بِأَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَة أَحْجَار )
: أَيْ أَمَرَنَا أَنْ لَا يَسْتَنْجِي أَحَدنَا بِأَقَلَّ مِنْهُمَا .
وَفِي رِوَايَة لِأَحْمَدَ : وَلَا نَكْتَفِي بِدُونِ ثَلَاثَة أَحْجَار .
وَهَذَا نَصٌّ صَرِيح صَحِيح فِي أَنَّ اِسْتِيفَاء ثَلَاث مَسَحَات لَا بُدّ مِنْهُ .
قَالَ الْخَطَّابِيُّ : فِيهِ بَيَان أَنَّ الِاسْتِنْجَاء بِالْأَحْجَارِ أَحَدُ الْمُطَهِّرِينَ ، وَأَنَّهُ إِذَا لَمْ يُسْتَعْمَل الْمَاء لَمْ يَكُنْ بُدّ مِنْ الْحِجَارَة أَوْ مَا يَقُوم مَقَامهَا وَهُوَ قَوْل سُفْيَان الثَّوْرِيّ وَمَالِك بْن أَنَس وَالشَّافِعِيّ وَأَحْمَدَ بْن حَنْبَل .
وَفِي قَوْله : وَأَنْ لَا يَسْتَنْجِي أَحَدنَا بِأَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَة أَحْجَار الْبَيَان الْوَاضِح أَنَّ الِاقْتِصَار عَلَى أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَة أَحْجَار لَا يَجُوز وَإِنْ وَقَعَ الْإِنْقَاء بِمَا دُونهَا وَلَوْ كَانَ بِهِ الْإِنْقَاء حَسْب لَمْ يَكُنْ لِاشْتِرَاطِ عَدَد الثَّلَاث مَعْنًى إِذْ كَانَ مَعْلُومًا أَنَّ الْإِنْقَاء يَقَع بِالْمَسْحَةِ الْوَاحِدَة وَبِالْمَسْحَتَيْنِ ، فَلَمَّا اشْتُرِطَ الْعَدَدُ لَفْظًا وَعُلِمَ الْإِنْقَاء فِيهِ مَعْنًى دَلَّ عَلَى إِيجَاب الْأَمْرَيْنِ
( أَوْ نَسْتَنْجِي بِرَجِيعٍ أَوْ عَظْم )
وَلَفْظ أَوْ لِلْعَطْفِ لَا لِلشَّكِّ وَمَعْنَاهُ مَعْنَى الْوَاو ، أَيْ نَهَانَا عَنْ الِاسْتِنْجَاء بِهِمَا .
وَالرَّجِيع : هُوَ الرَّوْث وَالْعَذِرَة فَعِيلٌ بِمَعْنَى فَاعِل لِأَنَّهُ رَجَعَ عَنْ حَالَته الْأُولَى بَعْد أَنْ كَانَ طَعَامًا أَوْ عَلَفًا ، وَالرَّوْث : هُوَ رَجِيع ذَوَات الْحَوَافِر .
وَجَاءَ فِي رِوَايَة رُوَيْفِع بْن ثَابِت فِيمَا أَخْرَجَهُ الْمُؤَلِّف : رَجِيع دَابَّة .
وَأَمَّا عَذِرَة الْإِنْسَان ، أَيْ غَائِطه ، فَهِيَ دَاخِلَة تَحْت قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّهَا رِكْس " قَالَ النَّوَوِيّ فِي شَرْح صَحِيح مُسْلِم : فِيهِ النَّهْي عَنْ الِاسْتِنْجَاء بِالنَّجَاسَاتِ ، وَنَبَّهَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالرَّجِيعِ عَلَى جِنْس النَّجَس ، وَأَمَّا الْعَظْم فَلِكَوْنِهِ طَعَامًا لِلْجِنِّ فَنَبَّهَ بِهِ عَلَى جَمِيع الْمَطْعُومَات .
اِنْتَهَى .@

الصفحة 26