كتاب عون المعبود شرح سنن أبي داود (ط. المكبتة السلفية) (اسم الجزء: 1)

ثُمَّ تَذَكَّرَ الْجَنَابَة وَانْصَرَفَ وَبَقِيَ النَّاس قِيَامًا مُنْتَظِرِينَ ، فَكَانَ بَعْض صَلَاتهمْ خَلْف النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ جُنُب ، وَمَعَ هَذَا لَمْ يَأْمُرهُمْ بِإِعَادَةِ تَكْبِير الْإِحْرَام مَعَ أَنَّهُ أَعْظَم أَجْزَاء الصَّلَاة ، فَثَبَتَ بِهَذَا صِحَّة صَلَاة الْمَأْمُومِينَ خَلْف الْإِمَام الْجُنُب النَّاسِي ، وَيُؤَيِّدهُ فِعْل عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ أَيْضًا كَمَا مَرَّ ، وَيُؤَيِّدهُ أَيْضًا فِعْل عُثْمَان وَعَبْد اللَّه بْن عُمَر أَيْضًا كَمَا أَخْرَجَهُمَا الْبَيْهَقِيُّ .
وَأَمَّا التَّرْجِيح لِأَحَادِيث الصَّحِيحَيْنِ أَوْ أَحَدهمَا عَلَى غَيْرهمَا عِنْد التَّعَارُض فَهُوَ أَمْر مُحَقَّق لَا مِرْيَة فِيهِ ، لَكِنْ لَيْسَ هَاهُنَا التَّعَارُض لِأَنَّهُمَا وَاقِعَتَانِ ، فَحَدَّثَ كُلّ وَاحِد مِنْهُمْ بِمَا شَاهَدَ ، وَلَا حَاجَة إِلَى تَأْوِيل أَنَّ كَبَّرَ فِي مَعْنَى قَارَبَ أَنْ يُكَبِّر وَمِمَّا يُؤَيِّد أَنَّهُمَا وَاقِعَتَانِ مُخْتَلِفَتَانِ أَنَّ الَّذِينَ صَلَّوْا خَلْف عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ وَعُثْمَان رَضِيَ اللَّه عَنْهُ وَابْن عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ مِنْ الصَّحَابَة لَمْ يُنْكِرُوا عَلَيْهِمْ بَلْ سَكَتُوا فَفِي سُكُوتهمْ وَعَدَم أَمْر هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّة إِيَّاهُمْ بِإِعَادَةِ الصَّلَاة دَلَالَة عَلَى تَعَدُّد الْوَاقِعَة وَأَنَّهُ كَانَ لَهُمْ بِذَلِكَ عِلْم مِنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
لَكِنْ يُمْكِن أَنْ يُقَال مِنْ قِبَل الطَّائِفَة الثَّانِيَة : إِنَّ الرِّوَايَات الَّتِي فِيهَا أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اِنْصَرَفَ بَعْدَمَا كَبَّرَ وَدَخَلَ الصَّلَاة لَا تُقَاوِم رِوَايَة أَبِي هُرَيْرَة الَّتِي فِيهَا أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اِنْصَرَفَ قَبْل التَّكْبِير وَالدُّخُول فِي الصَّلَاة لِأَنَّ هَذِهِ الرِّوَايَات بَعْضهَا مُرْسَلَة وَبَعْضهَا مَرْفُوعَة ، فَأَمَّا الْمُرْسَلَة فَمُرْسَلَة ، وَأَمَّا الْمَرْفُوعَة فَرِوَايَة أَبِي بَكْرَة ، وَإِنْ صَحَّحَهُمَا اِبْن حِبَّان وَالْبَيْهَقِيُّ ، لَكِنْ اُخْتُلِفَ فِي إِرْسَالهَا وَوَصْلهَا قَالَهُ الْحَافِظ . وَرِوَايَة أَنَس وَإِنْ كَانَ جَيِّد الْإِسْنَاد اُخْتُلِفَ فِي وَصْلهَا وَإِرْسَالهَا أَيْضًا كَمَا قَالَ الْحَافِظ . وَأَمَّا رِوَايَة أَبِي هُرَيْرَة الَّتِي أَخْرَجَهَا اِبْن مَاجَهْ فَقَالَ الْحَافِظ فِي إِسْنَادهَا نَظَر ، وَأَمَّا رِوَايَة عَلِيّ الْمَرْفُوعَة فَمَدَار طُرُقهَا عَلَى اِبْن لَهِيعَة . فَلَمَّا لَمْ تَصْلُح هَذِهِ الرِّوَايَات لِمُعَارَضَةِ حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة الَّذِي أَخْرَجَهُ الْمُؤَلِّف @

الصفحة 398