كتاب عون المعبود شرح سنن أبي داود (ط. المكبتة السلفية) (اسم الجزء: 1)

كَمَا تَقَدَّمَ وَإِمَّا بِحَمْلِهِ عَلَى حَالَة أُخْرَى وَبِحَسَبِ اِخْتِلَاف هَاتَيْنِ الْحَالَتَيْنِ اِخْتَلَفَ نَظَر الْعُلَمَاء ، فَذَهَبَ الْجُمْهُور إِلَى اِسْتِحْبَاب تَأْخِير غَسْل الرِّجْلَيْنِ فِي الْغُسْل ، وَعَنْ مَالِك إِنْ كَانَ الْمَكَان غَيْر نَظِيف ، فَالْمُسْتَحَبّ تَأْخِيرهمَا وَإِلَّا فَالتَّقْدِيم ، وَعِنْد الشَّافِعِيَّة فِي الْأَفْضَل قَوْلَانِ أَصَحّهمَا وَأَشْهَرهمَا وَمُخْتَارهمَا أَنَّهُ يُكْمِل وُضُوءَهُ . قَالَ : لِأَنَّ أَكْثَر الرِّوَايَات عَنْ عَائِشَة وَمَيْمُونَة كَذَلِكَ اِنْتَهَى . كَذَا قَالَ . وَلَيْسَ فِي شَيْء مِنْ الرِّوَايَات عَنْهُمَا التَّصْرِيح بِذَلِكَ ، بَلْ هِيَ إِمَّا مُحْتَمَلَة ، كَرِوَايَةِ تَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ ، أَوْ ظَاهِرَة فِي تَأْخِيرهمَا كَحَدِيثِ مَيْمُونَة مِنْ طَرِيق سُفْيَان عَنْ الْأَعْمَش وَرَاوِيهَا مُقَدَّم فِي الْحِفْظ وَالْفِقْه عَلَى جَمِيع مَنْ رَوَاهُ عَنْ الْأَعْمَش . وَقَوْل مَنْ قَالَ : إِنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ مَرَّة لِبَيَانِ الْجَوَاز مُتَعَقَّب ، فَإِنَّ فِي رِوَايَة أَحْمَد عَنْ أَبِي مُعَاوِيَة عَنْ الْأَعْمَش مَا يَدُلّ عَلَى الْمُوَاظَبَة ، وَلَفْظه : كَانَ إِذَا اِغْتَسَلَ مِنْ الْجَنَابَة يَبْدَأ فَيَغْسِل يَدَيْهِ ثُمَّ يُفْرِغ بِيَمِينِهِ عَلَى شِمَاله فَيَغْسِل فَرْجه . فَذَكَرَ الْحَدِيث وَفِي آخِره : ثُمَّ يَتَنَحَّى فَيَغْسِل رِجْلَيْهِ . قَالَ الْقُرْطُبِيّ : الْحِكْمَة فِي تَأْخِير غَسْل الرِّجْلَيْنِ لِيَحْصُل الِافْتِتَاح وَالِاخْتِتَام بِأَعْضَاءِ الْوُضُوء . اِنْتَهَى كَلَام الْحَافِظ . قُلْت : قَالَ الشَّارِح غَسْل الرِّجْلَيْنِ مَرَّتَيْنِ قَبْل إِتْمَام الْغُسْل فِي الْوُضُوء وَبَعْد الْفَرَاغ أَوْ اِقْتِصَاره عَلَى أَحَدهمَا كُلّ ذَلِكَ ثَابِت ، وَاَلَّذِي نَخْتَارهُ هُوَ غَسْلهمَا مَرَّتَيْنِ ، وَاَللَّه أَعْلَم .
( فَنَاوَلْته الْمِنْدِيل )
: بِكَسْرِ الْمِيم مَا يُحْمَل فِي الْيَد لِإِزَالَةِ الْوَسَخ وَمَسْح الدَّرَن وَتَنْشِيف الْعَرَق وَغَيْرهمَا مِنْ الْخِدْمَة ، وَفِي رِوَايَة لِلْبُخَارِيِّ : فَنَاوَلْته ثَوْبًا أَيْ لِيُنَشِّف بِهِ مَاء الْجَسَد
( فَلَمْ يَأْخُذهُ )
: الْمِنْدِيل . وَاعْلَمْ أَنَّهُ اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي التَّنْشِيف بَعْد الْوُضُوء وَالْغُسْل ، فَكَرِهَهُ بَعْضهمْ وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ الْبَاب وَلَا حُجَّة فِيهِ لِأَنَّهَا وَاقِعَة حَال يَتَطَرَّق إِلَيْهَا الِاحْتِمَال ، فَيَجُوز أَنْ يَكُون عَدَم الْأَخْذ لِأَمْرٍ آخَر لَا يَتَعَلَّق بِكُرْهِهِ التَّنْشِيف ، بَلْ لِأَمْرٍ@

الصفحة 417