كتاب عون المعبود شرح سنن أبي داود (ط. المكبتة السلفية) (اسم الجزء: 1)
آخَر سَوَاء كَانَ ذَلِكَ الرَّجُل فِي الْمَسْجِد أَوْ خَارِجه .
228 -
قَالَ صَاحِبُ عَوْنِ الْمَعْبُودِ :
( نَاوِلِينِي )
أَيْ أَعْطِينِي
( الْخُمْرَة )
بِضَمِّ الْخَاء وَإِسْكَان الْمِيم . قَالَ الْخَطَّابِيُّ : هِيَ السَّجَّادَة الَّتِي يَسْجُد عَلَيْهَا الْمُصَلِّي ، وَيُقَال : سُمِّيَتْ بِهَا لِأَنَّهَا تُخَمِّر وَجْه الْمُصَلِّي عَلَى الْأَرْض أَيْ تَسْتُرهُ ، وَصَرَّحَ جَمَاعَة بِأَنَّهَا لَا تَكُون إِلَّا قَدْر مَا يَضَع الرَّجُل حُرّ وَجْهه فِي سُجُوده . وَقَدْ جَاءَ فِي سُنَن أَبِي دَاوُدَ عَنْ اِبْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ : جَاءَتْ فَأْرَة فَأَخَذَتْ تَجُرّ الْفَتِيلَة ، فَجَاءَتْ بِهَا فَأَلْقَتْهَا بَيْن يَدَيْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْخُمْرَة الَّتِي كَانَ قَاعِدًا عَلَيْهَا فَأَحْرَقَتْ مِنْهَا مَوْضِع دِرْهَم . فَهَذَا تَصْرِيح بِإِطْلَاقِ الْخُمْرَة عَلَى مَا زَادَ عَلَى قَدْر الْوَجْه . وَفِي النِّهَايَة لِابْنِ الْأَثِير : هِيَ مِقْدَار مَا يَضَع عَلَيْهِ وَجْهه فِي سُجُوده مِنْ حَصِير أَوْ نَسِيجَة خُوص وَنَحْوه مِنْ النَّبَات . وَفِي حَدِيث الْفَأْرَة تَصْرِيح فِي إِطْلَاق الْخُمْرَة عَلَى الْكَبِير مِنْهَا
( مِنْ الْمَسْجِد )
اُخْتُلِفَ فِي مُتَعَلَّقه ، فَبَعْضهمْ قَالُوا : مُتَعَلِّق بِنَاوِلِينِي ، وَآخَرُونَ قَالُوا : مُتَعَلِّق بِقَالَ . أَيْ قَالَ لِي النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْمَسْجِد . ذَهَبَ الْقَاضِي عِيَاض إِلَى الثَّانِي وَقَالَ : مَعْنَاهُ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهَا مِنْ الْمَسْجِد ، أَيْ وَهُوَ فِي الْمَسْجِد لِتُنَاوِلهُ إِيَّاهَا مِنْ خَارِج الْمَسْجِد لَا أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهَا أَنْ تُخْرِج الْخُمْرَة مِنْ الْمَسْجِد ، لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ مُعْتَكِفًا فِي الْمَسْجِد ، وَكَانَتْ عَائِشَة فِي حُجْرَتهَا وَهِيَ حَائِض لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّ حَيْضَتك لَيْسَتْ فِي يَدك " . فَإِنَّمَا خَافَتْ مِنْ إِدْخَال يَدهَا الْمَسْجِد ، وَلَوْ كَانَ أَمَرَهَا بِدُخُولِ الْمَسْجِد لَمْ يَكُنْ لِتَخْصِيصِ الْيَد مَعْنًى . قَالَهُ النَّوَوِيّ . وَذَهَبَ إِلَى الْأَوَّل الْمُؤَلِّف وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَهْ وَالْخَطَّابِيّ وَأَكْثَر الْأَئِمَّة . قُلْت . هُوَ الظَّاهِر مِنْ حَدِيث عَائِشَة الْمَذْكُور لَيْسَ فِيهِ خَفَاء وَهُوَ الصَّوَاب ، وَعَلَيْهِ تُحْمَل رِوَايَة النَّسَائِيِّ مِنْ طَرِيق مَنْبُوز عَنْ أُمّه أَنَّ مَيْمُونَة قَالَتْ : " كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَضَع رَأْسه فِي حِجْر إِحْدَانَا فَيَتْلُو@
الصفحة 443