كتاب عون المعبود شرح سنن أبي داود (ط. المكبتة السلفية) (اسم الجزء: 1)

44 -
قَالَ صَاحِبُ عَوْنِ الْمَعْبُودِ :
( مُحَمَّد بْن إِسْحَاق )
: بْن يَسَار : أَحَد الْأَئِمَّة ثِقَة عَلَى مَا هُوَ الْحَقّ
( حَبَّان )
: بِفَتْحِ أَوَّله وَالْمُوَحَّدَة
( قَالَ )
: أَيْ مُحَمَّد بْن يَحْيَى
( قُلْت )
: لِعَبْدِ اللَّه بْن عَبْد اللَّه
( أَرَأَيْت )
: مَعْنَاهُ الِاسْتِخْبَار أَيْ أَخْبِرْنِي عَنْ كَذَا وَهُوَ بِفَتْحِ الْمُثَنَّاة الْفَوْقَانِيَّة فِي الْوَاحِد وَالْمُثَنَّى وَالْجَمْع ، تَقُول أَرَأَيْت وَأَرَءَيْتكَ وَأَرَءَيْتكُمَا وَأَرَءَيْتكُمْ ، وَاسْتِعْمَال أَرَأَيْت فِي الْإِخْبَار مَجَاز ، أَيْ أَخْبِرُونِي عَنْ حَالَتكُمْ الْعَجِيبَة ، وَوَجْه الْمَجَاز أَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْعِلْم بِالشَّيْءِ سَبَبًا لِلْإِخْبَارِ عَنْهُ ، أَوْ الْإِبْصَارُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْإِحَاطَة بِهِ عِلْمًا وَإِلَى صِحَّة الْإِخْبَار عَنْهُ اُسْتُعْمِلَتْ الصِّيغَة الَّتِي لِطَلَبِ الْعِلْم ، أَوْ لِطَلَبِ الْإِبْصَار فِي طَلَب الْخَيْر لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الطَّلَب ، فَفِيهِ مَجَازَانِ : اِسْتِعْمَال رَأَى الَّتِي بِمَعْنَى عَلِمَ أَوْ أَبْصَرَ فِي الْإِخْبَار ، وَاسْتِعْمَال الْهَمْزَة الَّتِي هِيَ لِطَلَبِ الرَّوِيَّة فِي طَلَب الْإِخْبَار .
قَالَ أَبُو حِبَّان فِي النَّهْر : وَمَذْهَب الْبَصْرِيِّينَ أَنَّ التَّاء هِيَ الْفَاعِل وَمَا لَحِقَهَا حَرْف خِطَاب يَدُلّ عَلَى اِخْتِلَاف الْمُخَاطَب ، وَمَذْهَب الْكِسَائِيّ أَنَّ الْفَاعِل هُوَ التَّاء وَأَنَّ أَدَاة الْخِطَاب اللَّاحِقَة فِي مَوْضِع الْمَفْعُول الْأَوَّل ، وَمَذْهَب الْفَرَّاء أَنَّ التَّاء هِيَ حَرْف خِطَاب كَهِيَ فِي أَنْتِ ، وَأَنَّ أَدَاة الْخِطَاب بَعْده هِيَ فِي مَوْضِع الْفَاعِل اُسْتُعِيرَتْ فِيهِ ضَمَائِر النَّصْب لِلرَّفْعِ ، وَلَا يَلْزَم عَنْ كَوْن أَرَأَيْت بِمَعْنَى أَخْبِرْنِي أَنْ يَتَعَدَّى تَعْدِيَتَهُ لِأَنَّ أَخْبِرْنِي يَتَعَدَّى بِعَنْ ، تَقُول أَخْبِرْنِي عَنْ زَيْد ، وَأَرَأَيْت يَتَعَدَّى لِمَفْعُولٍ بِهِ صَرِيح وَإِلَى جُمْلَة اِسْتِفْهَامِيَّة هِيَ فِي مَوْضِع الْمَفْعُول الثَّانِي أَرَأَيْتُك زَيْدًا مَا صَنَعَ ، فَمَا بِمَعْنَى أَيّ شَيْء مُبْتَدَأ ، وَصَنَعَ فِي مَوْضِع الْخَبَر ، وَيَرِد عَلَى مَذْهَب الْكِسَائِيّ أَمْرَانِ :
أَحَدهمَا : أَنَّ هَذَا الْفِعْل يَتَعَدَّى إِلَى مَفْعُولَيْنِ كَقَوْلِك : أَرَأَيْتُك زَيْدًا مَا فَعَلَ ، فَلَوْ جَعَلْت الْكَاف مَفْعُولًا لَكَانَتْ الْمَفَاعِيل ثَلَاثَة ،
وَثَانِيهمَا : أَنَّهُ لَوْ كَانَ مَفْعُولًا لَكَانَ هُوَ الْفَاعِل فِي الْمَعْنَى لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الْكَاف وَالتَّاء وَاقِع عَلَى الْمُخَاطَب وَلَيْسَ الْمَعْنَى عَلَى ذَلِكَ ، إِذْ لَيْسَ الْغَرَض أَرَأَيْت نَفْسك ، بَلْ أَرَأَيْت@

الصفحة 72