كتاب حاشية ابن القيم على سنن أبي داود (ط. المكبتة السلفية) (اسم الجزء: 1)

العاجز فإنه مكلف بحسب الاستطاعة وقد ثبت في صحيح مسلم أن النبي بعث أناسا لطلب قلادة أضاعتها عائشة فحضرت الصلاة فصلوا بغير وضوء فأتوا النبي فذكروا ذلك له فنزلت آية التيمم
فلم ينكر النبي عليهم ولم يأمرهم بالإعادة وحالة عدم التراب كحالة عدم مشروعيته ولا فرق فإنهم صلوا بغير تيمم لعدم مشروعية التيمم حينئذ
فهكذا من صلى بغير تيمم لعدم ما يتيمم به فأي فرق بين عدمه في نفسه وعدم مشروعيته
فمقتضى القياس والسنة أن العادم يصلي على حسب حاله فإن الله لا يكلف نفسا إلا وسعها ويعيد لأنه فعل ما أمر به فلم يجب عليه الإعادة كمن ترك القيام والاستقبال والسترة والقراءة لعجزه عن ذلك فهذا موجب النص والقياس
فإن قيل القيام له بدل وهو القعود فقام بدله مقامه كالتراب عند عدم الماء والعادم هنا صلى بغير أصل ولا بدل
قيل هذا هو مأخذ المانعين من الصلاة والموجبين للاعادة ولكنه منتقض بالعاجز عن السترة
فإنه يصلي من غير اعتبار بدل وكذلك العاجز عن الاستقبال وكذلك العاجز عن القراءة والذكر
وأيضا فالعجز عن البدل في الشرع كالعجز عن المبدل منه سواء
هذه قاعدة الشريعة
وإذا كان عجزه عن المبدل لا يمنعه من الصلاة فكذلك عجزه عن البدل وستأتي المسألة مستوفاة في باب التيمم إن شاء الله
وفي الحديث دليل على اعتبار النية في الطهارة بوجه بديع
وذلك لأنه جعل الطهور مفتاح الصلاة التي لا تفتتح ويدخل فيها إلا به وما كان مفتاحا للشىء كان قد وضع لأجله وأعد له
فدل على أن كونه مفتاحا للصلاة هو جهة كونه طهورا فإنه إنما شرع للصلاة وجعل مفتاحا لها ومن المعلوم أن ما شرع للشيء ووضع لأجله لا بد أن يكون الآتي به قاصدا ما جعل مفتاحا له ومدخلا إليه

الصفحة 91