كتاب حاشية ابن القيم على سنن أبي داود (ط. المكبتة السلفية) (اسم الجزء: 1)

وبيانه أن أفعل التفضيل إذا نكر وأطلق تضمن من عموم الفضل وإطلاقه عليه ما لم يتضمنه المعرف فإذا قيل
الله الأكبر كان معناه
من كل شيء
وأما إذا قيل الله أكبر فإنه يتقيد معناه ويتخصص ولا يستعمل هذا إلا في مفضل عليه معين كما إذا قيل من أفضل أزيد أم عمرو فيقول زيد الأفضل
هذا هو المعروف في اللغة والاستعمال
فإن أداة التعريف لا يمكن أن يؤتى بها إلا مع من وأما بدون من فلا يؤتى بالأداة فإذا حذف المفضل عليه مع الأداة أفاد التعمم وهذا لا يتأتى مع اللام وهذا المعنى مطلوب من القائل الله أكبر بدليل ما روى الترمذي من حديث عدي بن حاتم الطويل أن النبي قال له ما يضرك أيضرك أن يقال الله أكبر فهل تعلم شيئا أكبر من الله وهذا مطابق لقوله تعالى قل أي شيء أكبر شهادة وهذا يقتضي جوابا لا شيء أكبر شهادة من الله فالله أكبر شهادة من كل شيء
كما أن قوله لعدي هل تعلم شيئا أكبر من الله يقتضي جوابا لا شيء أكبر من الله فالله أكبر من كل شيء
وفي افتتاح الصلاة بهذا اللفظ المقصود منه استحضار هذا المعنى وتصوره سر عظيم يعرفه أهل الحضور المصلون بقلوبهم وأبدانهم
فإن العبد إذا وقف بين يدي الله عز و جل وقد علم أن لا شيء
أكبر منه وتحقق قلبه ذلك وأشربه سره استحي من الله ومنعه وقاره وكبرياؤه أن يشغل قلبه بغيره وما لم يستحضر هذا المعنى فهو واقف بين يديه بجسمه وقلبه يهيم في أودية الوساوس والخطرات وبالله المستعان
فلو كان الله أكبر من كل شيء في قلب هذا لما اشتغل عنه وصرف كلية قلبه إلى غيره كما أن الواقف بين يدي الملك المخلوق لما لم يكن في قلبه أعظم منه لم يشغل قلبه بغيره ولم يصرفه عنه صارف
فصل الحكم الثالث قوله تحليلها التسليم والكلام في إفادته الحصر كالكلام في

الصفحة 94