كتاب حاشية ابن القيم على سنن أبي داود (ط. المكبتة السلفية) (اسم الجزء: 1)

الجملتين قبله
والكلام في التسليم على قسمين أحدهما أنه لا ينصرف من الصلاة إلا بالتسليم
وهذا قول جمهور العلماء
وقال أبو حنيفة لا يتعين التسليم بل يخرج منها بالمنافي لها من حدث أو عمل مبطل ونحوه
واستدل له بحديث ابن مسعود الذي رواه أحمد وأبو داود في تعليمه التشهد وبأن النبي لم يعلمه المسيء في صلاته ولو كان فرضا لعلمه إياه وبأنه ليس من الصلاة فإنه ينافيها ويخرج به منها ولهذا لو أتى به في أثنائها لأبطلها وإذا لم يكن منها علم أنه شرع منافيا لها والمنافي لا يتعين
هذا غاية ما يحتج له به
والجمهور أجابوا عن هذه الحجج
أما حديث ابن مسعود فقال الدارقطني والخطيب والبيهقي وأكثر الحفاظ الصحيح أن قوله إذا قلت هذا فقد قضيت صلاتك من كلام ابن مسعود فصله شبابة عن زهير وجعله من كلام ابن مسعود وقوله أشبه بالصواب ممن أدرجه وقد اتفق من روى تشهد ابن مسعود رضي الله عنه على حذفه
وأما كون النبي لم يعلمه المسيء في صلاته فما أكثر ما يحتج بهذه الحجة على عدم واجبات في الصلاة ولا تدل لأن المسيء لم يسيء في كل جزء من الصلاة فلعله لم يسيء في السلام بل هذا هو الظاهر فإنهم لم يكونوا يعرفون الخروج منها إلا بالسلام
وأيضا فلو قدر أنه أساء فيه لكان غاية ما يدل عليه ترك التعليم استصحاب براءة الذمة من الوجوب فكف يقدم على الأدلة الناقلة لحكم الاستصحاب
وأيضا فأنتم لم توجبوا في الصلاة كل ما أمر به المسيء فكيف تحتجون بترك أمره على عدم الوجوب ودلالة الأمر على الوجوب أقوى من دلالة تركه على نفي الوجوب فإنه قال إذا قمت إلى الصلاة فكبر ولم توجبوا التكبير وقال ثم اركع حتى تطمئن راكعا وقلتم لو ترك الطمأنينة لم تبطل صلاته وإن كان مسيئا
وأما قولكم إنه ليس من الصلاة فإنه ينافيها ويخرج منها به فجوابه أن

الصفحة 95