كتاب عون المعبود شرح سنن أبي داود (ط. المكبتة السلفية) (اسم الجزء: 2)

أَوَّل تَبْزُغ الشَّمْس قَالُوا : وَالْفَوَائِت لَا تُقْضَى فِي الْأَوْقَات الْمَنْهِيّ عَنْ الصَّلَاة فِيهَا ، وَعَلَى هَذَا مَذْهَب أَصْحَاب الرَّأْي . وَقَالَ مَالِك وَالشَّافِعِيّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَحْمَد وَإِسْحَاق : تُقْضَى الْفَوَائِت فِي كُلّ وَقْت نُهِيَ عَنْ الصَّلَاة فِيهِ ، أَوْ لَمْ يُنْهَ عَنْهَا إِذَا كَانَ لَهَا سَبَب ، وَذَلِكَ إِنَّمَا نَهَى عَنْ الصَّلَاة فِي تِلْكَ الْأَوْقَات إِذَا كَانَ تَطَوَّعَا وَابْتِدَاء مِنْ قِبَل الِاخْتِيَار دُون الْوَاجِبَات ، فَأَمَّا الْفَوَائِت فَإِنَّهَا تُقْضَى إِذَا ذُكِرَتْ فِي أَيْ وَقْت كَانَ بِدَلِيلِ الْخَبَر ، وَرُوِيَ مَعْنَى ذَلِكَ عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب وَابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّه عَنْهُ ، وَهُوَ قَوْل النَّخَعِيِّ وَالشَّعْبِيّ وَحَمَّاد وَتَأَوَّلُوا أَوْ مَنْ تَأَوَّلَ مِنْهُمْ الْقِصَّة فِي قَوْد الرَّوَاحِل وَتَأْخِير الصَّلَاة عَنْ الْمَكَان الَّذِي كَانُوا فِيهِ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يَتَحَوَّل عَنْ الْمَكَان الَّذِي أَصَابَتْهُ الْغَفْلَة فِيهِ وَالنِّسْيَان ، كَمَا يَظْهَر هَذَا الْمَعْنَى مِنْ الرِّوَايَة الْآتِيَة مِنْ طَرِيق أَبَان الْعَطَّار . فَإِنْ قِيلَ : قَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : " تَنَام عَيْنَايَ وَلَا يَنَام قَلْبِي " فَكَيْفَ ذَهَبَ عَنْ الْوَقْت وَلَمْ يَشْعُر بِهِ ، قُلْنَا : قَدْ تَأَوَّلَهُ بَعْض أَهْل الْعِلْم عَلَى أَنَّهُ خَاصّ فِي أَمْر الْحَدَث وَذَلِكَ أَنَّ النَّائِم قَدْ يَكُون مِنْهُ الْحَدَث وَلَا يَشْعُر بِهِ ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّ قَلْبه لَا يَنَام حَتَّى يَشْعُر بِالْحَدَثِ . وَقَدْ قِيلَ : إِنَّ ذَلِكَ مِنْ أَجْل أَنَّهُ يُوحَى إِلَيْهِ فِي مَنَامه فَلَا يَنْبَغِي لِقَلْبِهِ أَنْ يَنَام ، فَأَمَّا مَعْرِفَة الْوَقْت وَإِثْبَات طُلُوع الشَّمْس ، فَإِنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا يَكُون دَرْكه بِنَظَرِ الْعَيْن دُون الْقَلْب ، فَلَيْسَ فِيهِ مُخَالَفَة لِلْحَدِيثِ الْآخَر . اِنْتَهَى . قَالَ الْمُنْذِرِيُّ : وَالْحَدِيث أَخْرَجَهُ مُسْلِم وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَهْ .@

الصفحة 106