كتاب عون المعبود شرح سنن أبي داود (ط. المكبتة السلفية) (اسم الجزء: 2)

: بِالتَّشْدِيدِ وَالتَّخْفِيف
( يَوْم الْجُمُعَة وَاغْتَسَلَ )
: قَالَ الْإِمَام الْخَطَّابِيُّ : اِخْتَلَفَ النَّاس فِي مَعْنَاهُمَا ، فَمِنْهُمْ مَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّهُ مِنْ الْكَلَام الْمُتَظَاهِر الَّذِي يُرَاد بِهِ التَّوْكِيد وَلَمْ تَقَع الْمُخَالَفَة بَيْن اللَّفْظَيْنِ لِاخْتِلَافِ الْمَعْنَيَيْنِ ، أَلَا تَرَاهُ يَقُول فِي هَذَا الْحَدِيث : وَمَشَى وَلَمْ يَرْكَب وَمَعْنَاهُمَا وَاحِد ، وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الْأَثْرَم صَاحِب أَحْمَد . وَقَالَ بَعْضهمْ : غَسَّلَ مَعْنَاهُ غَسَلَ الرَّأْس خَاصَّة وَذَلِكَ لِأَنَّ الْعَرَب لَهُمْ لِمَمٌ وَشُعُور وَفِي غَسْلهَا مُؤْنَة فَأَفْرَدَ ذِكْر غَسْل الرَّأْس مِنْ أَجْل ذَلِكَ ، وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ مَكْحُول وَقَوْله اِغْتَسَلَ مَعْنَاهُ سَائِر الْجَسَد ، وَزَعَمَ بَعْضهمْ أَنَّ قَوْله غَسَّلَ أَيْ مَعْنَاهُ أَصَابَ أَهْله قَبْل خُرُوجه إِلَى الْجُمُعَة لِيَكُونَ أَمْلَك لِنَفْسِهِ وَأَحْفَظ لِبَصَرِهِ فِي طَرِيقه قَالَ وَمِنْ هَذَا قَوْل الْعَرَب : فَحْل غَسَّلَهُ إِذَا كَثُرَ الضَّرْب . اِنْتَهَى .
( ثُمَّ بَكَّرَ )
: بِالتَّشْدِيدِ عَلَى الْمَشْهُور قَالَ النَّوَوِيّ أَيْ رَاحَ فِي أَوَّل وَقْت
( وَابْتَكَرَ )
: أَيْ أَدْرَكَ أَوَّل الْخُطْبَة وَرَجَّحَهُ الْعِرَاقِيّ فِي شَرْح التِّرْمِذِيّ ، وَقِيلَ كَرَّرَهُ لِلتَّأْكِيدِ ، وَبِهِ جَزَمَ اِبْن الْعَرَبِيّ فِي عَارِضَة الْأَحْوَذِيّ . قَالَ اِبْن الْأَثِير فِي النِّهَايَة : بَكَّرَ أَتَى الصَّلَاة فِي أَوَّل وَقْتهَا ، وَكُلّ مَنْ أَسْرَعَ إِلَى شَيْء فَقَدْ بَكَّرَ إِلَيْهِ ، وَأَمَّا اِبْتَكَرَ فَمَعْنَاهُ أَدْرَكَ أَوَّل الْخُطْبَة ، وَأَوَّل كُلّ شَيْء بَاكُورَته ، وَابْتَكَرَ الرَّجُل : إِذَا أَكَلَ بَاكُورَة الْفَوَاكِه ، وَقِيلَ : مَعْنَى اللَّفْظَيْنِ وَاحِد ، فَعَّلَ وَافْتَعَلَ ، وَإِنَّمَا كُرِّرَ لِلْمُبَالَغَةِ وَالتَّوْكِيد كَمَا قَالُوا جَادّ مُجِدّ . اِنْتَهَى .
( وَمَشَى وَلَمْ يَرْكَب )
: قَالَ الْخَطَّابِيُّ : مَعْنَاهُمَا وَاحِد ، وَإِنَّهُ لِلتَّأْكِيدِ وَهُوَ قَوْل الْأَثْرَم صَاحِب أَحْمَد . اِنْتَهَى
( وَلَمْ يَلْغُ )
: مِنْ لَغَا يَلْغُو لَغْوًا مَعْنَاهُ : اِسْتَمَعَ الْخُطْبَة وَلَمْ يَشْتَغِل بِغَيْرِهَا . قَالَ النَّوَوِيّ : مَعْنَاهُ لَمْ يَتَكَلَّم ، لِأَنَّ الْكَلَام حَال الْخُطْبَة لَغْو
( كَانَ لَهُ بِكُلِّ خُطْوَة )@

الصفحة 11